تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شجون ومواجع إعلامية

معاً على الطريق
الاحد 14/5/2006
برهان بخاري

رغم كل ما يوجه إلى إعلامنا من انتقادات مختلفة في السر وفي العلن ومن الإعلاميين أنفسهم خاصة, لكن جوهر المسألة بات يتلخص اليوم بالبحث في عمق الأشياء وجذورها وبمحاولة خلق آليات استراتيجية واقعية وفعالة قادرة على مواجهة التحديات التي تجابهنا على الصعيدين الداخلي والخارجي, فلم تعد العقلية الترقيعية مشروعة أو مقبولة, ولم تعد بقع الضوء أو النتف أو الشذرات التي تظهر هنا وهناك قادرة على تجميل الواقع.

وباختصار شديد فإن ثمة خللا كبيرا واضحا بين الموقع السياسي الذي تحتله سورية في المنطقة وبين الموقع الذي يحتله إعلامها وسط هذا الحشد الضخم من الصحف والمجلات والفضائيات المتطورة.‏

قبل الغزو الأميركي للعراق لم تكن العيوب أو الأعطاب في الإعلام ظاهرة بشكل واضح لكن بعد أن أصبحت سورية دريئة للسهام الأميركية والاسرائيلية المتتابعة, وبعد هذا الاستشراس الأميركي السافر للنيل منها لم يعد جائزا أو لائقا أن يجري التصدي لكل ذلك الاستهداف عبر هذه الاليات العتيقة المتواضعة.‏

تحدثت في العديد من المقالات عن مفهوم الإهاب التاريخي والذي يعني أنه منذ أن احتضنت سورية ما عرف بالثورة العربية الكبرى التي اندلعت عام 1916 وضحت بخيرة رجالاتها على أعواد المشانق ومنذ أن خاض يوسف العظمة معركة خاسرة عسكريا ورابحة تاريخيا ومنذ أن أصبحت دمشق قلب العروبة النابض فإن سورية ظلت محكومة من ضمن إهابها التاريخي, بمعنى أن كل القيادات وأنظمة الحكم التي تعاقبت على حكمها كانت وطنية بصرف النظر عن انتماءاتها ومواقفها الايديولوجية, وعلى الأخص تجاه القضية الفلسطينية,وأن الموقف الصلب لقيادتنا في نصرة المقاومة اليوم هو نوع من تحصيل حاصل, كما أن غدر وخذلان بعض الأنظمة المشبوهة لها هو أيضا نوع من تحصيل حاصل.‏

ربما ولهذا السبب ظل الفرق بين الدفاع عن الوطن وبين الدفاع عن النظام غائما وملتبسا وبكل صراحة أقول إن الاعلام السوري قد ساهم بشكل أو بآخر في استمرار قيام مثل هذا الالتباس.‏

وفي الوقت الذي تمارس فيه المعارضة أو اللاموالاة شتى أشكال النقد والانتقاد للنظام السياسي, لكن عليها أن تعرف أن من واجبها أيضا أن تعلن موقفها بشكل صريح ومعلن تجاه الموقف الاستراتيجي السوري من جملة القضايا الساخنة وعلى رأسها ممانعة المخططات الأميركية, وغني عن القول إن الدفع إلى مثل هذا الاتجاه وإلى حد إحراج الآخر هو من الواجبات الأساسية للإعلام, فليس من المعقول أن يبقى مدافعا فقط.‏

وما يحز في الفؤاد أنه كلما استعرض أحدنا المواقف الاستراتيجية السورية بنوع من الإيجابية يتهم فورا بممالأته للنظام, وهذا أمر يكشف عن قصر نظر سياسي فاضح وعن هزال في مفهوم الوطنية.‏

وسواء شئنا أم أبينا فإن سورية بلورت عبر العقود الثلاثة الأخيرة موقفا استراتيجيا واضحا ومتميزا بدءا من طيرانها خارج السرب العربي بوقوفها ضد حرب الخليج الأولى التي شنها صدام حسين ضد إيران مرورا برفضها لاحتلال الكويت وانتهاء بطيرانها خارج السرب مرة أخرى في رفضها المطلق للغزو الأميركي للعراق, ناهيك طبعا عن رفضها لتفكيك المسارات في التفاوض مع العدو الصهيوني, ونقدها المجرح لاتفاقية أوسلو, والتي أثبتت الأيام أن تلك الاتفاقية المشؤومة لم تكن إلا أنشوطة تخنق الشعب الفلسطيني برمته, الأمر الذي يؤكد بالنتيجة صوابية الرؤية والاستراتيجية السورية.‏

إن المتتبع لمزاج الشارعين العربي والإسلامي يكتشف بسهولة حجم الكره لأميركا وللأنظمة المتواطئة معها, ويرى في الوقت نفسه مدى الحماس لأشكال المقاومة والصمود والممانعة.‏

إن ثمة مجموعة من الظروف السياسية التي جعلت وظيفة معظم الإعلام العربي تتلخص بتهيئة وإعداد البروباغندا السياسية الداعمة للأنظمة التابعة لها, وعلى سبيل المثال حين جرى افتتاح التلفزيون السوري عام 1960 كان في جله نوعا من البروباغندا للراحل جمال عبد الناصر, وبعد أن جرى الانفصال عن مصر تم تجيير هذا التلفزيون ضده.‏

وانطلاقا من هذه الوقائع يمكن القول أن جميع الإعلاميين حتى الذين يتقاعدون الآن لبلوغهم ستين سنة لم تتح لهم فرصة التعامل مع الإعلام الحر فما بالك بالجيل الشاب, وعن أي اعلام يمكن أن نتكلم?‏

معروف أن الإعلام السوري هو مجموعة من الكانتونات, فكل من الإعلام المكتوب والمرأي والمسموع هو كانتون مستقل بذاته, وداخل كل كانتون مجموعة من الكانتونات, وما لم يجر وضع استراتيجية شاملة للإعلام فإن عملية الترقيع ستستمر, وما لم يجر وضع أسس حقيقية للمعيار والفهم والسلوك المؤسساتي فسيبقى بعضهم حاكما بأمره ومهيمنا على إقطاعه.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي |  dalatione@hotmail.com | 14/05/2006 08:23

محليا مازال إعلامنا السوري داعما لنظامنا, وسابقا كنت أعارض هذا بيني وبين نفسي, لهذا كنت أطالع إعلامنا المحلي يوميا بأقل من عشر دقائق, فقد كان مغيبا عن الواقع الداخلي تماما. اليوم أنا أشد على إعلامنا أن يكون منسجما مع نظامنا إنما في الأمور الخارجية حيث الخطر يتهددنا, وحيث الغفلة متعمدة من معظم الأنظمة العربية فلايبقى غيرنظامنا في الميدان فكيف لانتفق معه أو لانؤيده؟, أما في الأمور الداخلية فإن إعلامنا يبتعد خطوة عن نظامنا ثم يتراجع خطوة , وكأنه مربوط بسلاسل, وهذا يفقد مفهوم الشفافية جدواه, وينسف كل ماتعلن عنه الحكومة من تشاركية.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 برهان بخاري
برهان بخاري

القراءات: 1411
القراءات: 1322
القراءات: 1768
القراءات: 3121
القراءات: 3197
القراءات: 2220
القراءات: 2014
القراءات: 1275
القراءات: 2307
القراءات: 1683
القراءات: 1686
القراءات: 1594
القراءات: 1466
القراءات: 1620
القراءات: 1328
القراءات: 1361
القراءات: 1569
القراءات: 1554
القراءات: 1607
القراءات: 1356
القراءات: 2455
القراءات: 1439
القراءات: 1349
القراءات: 1553
القراءات: 1845

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية