حفلت بالترويج لهذه الآمال, لكنها المرة الأولى التي تسود في دورة انعقاده التي انتهت قبل أيام تقييمات كئيبة حول حال الاقتصاد العالمي, حيث تعالت الصيحات التي تطالب بإعادة النظر بالمؤسسات الدولية المالية القائمة, فهناك من صرح علناً أن مؤسسات بروتون وودز التي تشكلت قبل ستين عاماً لخدمة الاقتصاد طرأ عليها تحولات جذرية ولم تعد هذه المؤسسات ملائمة لإدارة اقتصاد العالم, بل إن بعض الخبراء حذروا من انهيارات مالية كبرى في طريقها إلى الأسواق المالية لأن قيمة الأسواق أعلى من الأصول بأكثر من أربعة أضعاف, وفي ظل أزمة الركود والتلاعبات والمصاعب المالية التي وقعت بها شركات مالية كبرى مثل (سسوتيه جنرال) و(ميريل لينش) فإن شبح انهيار البورصات يخيم الآن على الأسواق المالية.
هذه هي أبرز الانطباعات التي تميز انعقاد منتدى دافوس لعام ,2008 فلولا التوقعات المالية من الخارج, وخصوصاً من الدول النفطية, لانهارات الأسواق المالية في الدول المتقدمة, وهذه حقيقة ساطعة لم تغب عن كتابات وسائل الإعلام الغربية, فقد نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) تحليلاً كرس لمعالجة الأزمات المالية جاء فيه حرفياً (لقد أسهمت الأرصدة المالية الضخمة المملوكة للحكومات والدول في إنقاذ البنوك الأميركية والأوروبية وإخراجها من المأزق الذي وقعت فيه جراء الأخطاء التي ارتكبتها بنفسها).
أما المستثمر المالي الأميركي المعروف (جورج سوروس) فقد أكد أن الأرصدة المالية الأجنبية التي تغذي الاقتصاد الغربي يتراوح حجمها الآن بين 2.5 إلى 3 تريليون دولار, وأصبح من الصعب جداً الآن فرض قيود مهمة على تداولها وحركتها, وقد اعترف مؤسس المنتدى الاقتصادي (كلاوس شواب) أنه من المؤكد أن المحادثات في دافوس هيمنت عليها التحديات الاقتصادية التي تواجهنا في هذه اللحظة, وهي عواقب أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر, وانتقال رؤوس الأموال من الدول المستهلكة للطاقة إلى الدول المنتمية لها, وأكد شواب أن تحذيرات عن مدى هشاشة النظام الاقتصادي العالمي صدرت العام الماضي ولم ينصت لها.
وبحث دافوس هذا العام خمسة محاور كلها حملت هذه المرة إشكاليات واضحة:
- المحور الأول: التنافس والتعاون في مجالات الأعمال انطلاقاً من تداخل الاهتمامات وتقاطع المصالح بين الشركات, وكيفية التوصل إلى روح الفريق في العمل بين الشركات المتعددة الجنسيات للتقليل من الخسائر.
- المحور الثاني: معالجة مشكلة التجارة في ظل مناخ اقتصادي غير آمن, كما يقول مؤسس المنتدى, حيث طرحت انعكاسات أزمة الرهن العقاري الأميركية نفسها بقوة على أعمال المنتدى وخاصة في ظل استمرار تداعياتها.
- المحور الثالث: كيفية تجاوز الخلافات لتحقيق الاهتمامات المشتركة, حيث تتحول أسواق العالم من عام إلى آخر إلى حلبات للتنافس لا تكون نزيهة دائماً.
- المحور الرابع: يركز على الجانب العملي عبر مناقشة كيفية استكشاف آفاق جديدة للطبيعة.
- المحور الخامس: ركز على فهم التحولات المستقبلية في قيم المجتمع نتيجة المتغيرات التي أحدثتها ثورة الاتصالات والمعلوماتية والعولمة.
ولكن كان الركود الذي يخيم على الاقتصاد الأميركي هو الشغل الشاغل لأعضاء المنتدى, واعترفت دراسة قدمت للمنتدى بأن الاحتياط الفيدرالي توقع تراجعاً في قيمة الموجودات يبلغ نحو 150 مليار دولار بسبب أزمة القروض العقارية, ولكن دراسة المنتدى تؤكد أن خسائر القطاع المالي أكبر بكثير مما كان متوقعاً.
الخبير »ستيفن روتش) رئيس الفرع الآسيوي في بنك مورغن ستانلي الأميركي قال: »سندخل مرحلة أليمة جداً, فحين يواجه المستهلك الأميركي مشكلات ينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي برمته).
أما جورج سوروس فقد نشر مقالاً في »الفايننشال تايمز) بمناسبة انعقاد منتدى دافوس أكد فيه أن الأسواق العالمية تعيش أسوأ أزماتها خلال 60 عاماً, مستبعداً حصول كساد عال بسبب النمو في الصين والهند والدول المصدرة للنفط, وأضاف سوروس بأن الاضطراب الحالي بالأسواق العالمية يشير إلى حدوث تحول كبير للقوة والنفوذ من الولايات المتحدة إلى الاقتصادات العملاقة الناشئة مثل الصين والهند, ودعا سوروس إلى تأمين الأسواق, وإذا لم يحدث ذلك فإنه لا يستبعد حدوث كساد اقتصادي مثلما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي.
إذاً دافوس 2008 غير دافوس 2007 فالاقتصاد الدولي يمر بمرحلة حرجة ودافوس كان المرآة التي عكست واقع هذا الاقتصاد الحقيقي.