وبالتالي إتاحة الفرصة أمام المتابعين والباحثين وصناع القرار للاستفادة من كل ما يتصل به من الوثائق والصور والتسجيلات وغيرها . ويبدو أن اللعبة إياها قد راقت للبعض ووجد فيها فائدة ما أو جعل لها هدفا ما يتلطى خلف تلك الشفافية المزعومة وذلك التعري المفضوح !
من هذا البعض , إسرائيل التي نشرت خلال الأيام القليلة الماضية مجموعة من الوثائق المتصلة بالذكرى السابعة والثلاثين لحرب تشرين 1973 بلغت حتى الآن ثماني وثائق , وكي تفبرك أهمية كبيرة للوثائق المنشورة وتقترب أكثر من الهدف وراء نشرها , فقد زعمت صحافتها أن الوثائق أحدثت بلبلة في الشارع الإسرائيلي عامة وأعادت تصحيح بعض من الرأي العام الإسرائيلي الذي كان سائدا حول قادته وحكوماته ؟
الوثائق الإسرائيلية المنشورة حتى الآن تسمي بالاسم بعض من تسميهم عملاء لإسرائيل من العرب , وتوطن بصورة إيحائية وغير مباشرة بعضا من الشائعات المزمنة التي لا تزال سارية المفعول عن بعض عربي آخر . لكن أنكى الوثائق وأكثرها خبثا هي تلك التي تكشف عن أن غولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية وقت الحرب , قد وافقت « مضطرة « على اقتراح من أحد قادتها العسكريين باستهداف المدنيين في العمقين السوري والمصري ثالث أيام الحرب أو رابعها لتخفيف الضغط عن جيشها , والمطلع على وثيقة من هذا النوع من غير العرب وممن لم يشهد الحرب مع إسرائيل ولا يعرف الكثير عن السلوك العدواني الإسرائيلي , يتوهم أن إسرائيل لا تقدم على استهداف المدنيين العرب إلا في حالات الضرورة القصوى وفي حالات تهديد وجودها برمته , وكما لو أن إسرائيل لم تستهدف ملايين الفلسطينيين من قبل بالإبادة الجماعية ومسح القرى والمدن الفلسطينية والعربية عن آخرها , ولا بقتلهم وتهجيرهم طيلة ستين عاما بالمجازر المروعة التي ارتكبت في عشرات بل مئات المناطق العربية في فلسطين أو الجولان أو جنوب لبنان أو حتى سيناء , وكما لو أن المدنيين العرب لم يكونوا وما يزالوا أول الاستهدافات في قائمة الحروب العدوانية الإسرائيلية , وكما لو أن الأطفال الذين مزقتهم القذائف والصواريخ الإسرائيلية في قرى فلسطين والجولان وجنوب لبنان وفي مدرسة بحر البقر وداعل وقانا وغيرها لم يكونوا من المدنيين !!
وظيفة الأرشيف أن يحفظ الحقائق التاريخية , ووظيفة الوثائق أن تمنع تزييفها أو العبث بها , غير أن وظيفة الوثائق الإسرائيلية المنشورة والتي يراد نشرها ليس هذا ولا ذاك , بل العكس تماما ... بث الشك والريبة في الوسط العربي بمفرقعات لا تلبث أن تتحول إلى شائعات ومواقف , وإعماء وتضليل من لم ير الجريمة الإسرائيلية المزمنة بأم عينه , فضلا عن محاولة تنظيف صورة إسرائيلية تاريخية تراكمت عليها صنوف من قذارات التطرف والعنصرية, وأخيرا تصدير ما عملت الصحافة الإسرائيلية المرافقة لنشر الوثائق على فبركته في الوسط الإسرائيلي من البلبلة والشك إلى أوساط أخرى ليس آخرها الوسط العربي .