| ضو البيت معاً على الطريق الأشهر التي أطلقته في عالم الرواية العربية هي(موسم الهجرة إلى الشمال) كما عرفها أهل الجنوب وكما ترجمت لأهل الشمال, وهذه الرواية أي (موسم الهجرة إلى الشمال) علامة فارقة في الرواية العربية العصرية التي شعت في الخمسينيات من القرن الماضي من مركز الإشعاع الثقافي اللبناني آنذاك وقد كان يجمعنا على الإنتاج والترجمة والنشر, وخاصة في مجلة(الآداب) البيروتية. وفي رأيي أن روايات أخرى كانت علامات فارقات وربما حسب تسلسل زمني بالقياس إلى رواية الطيب الصالح الأولى التي ذكرت, من هذه الروايات أعد (صراخ في ليل طويل) لجبرا ابراهيم جبرا, و(ستة أيام) لحليم بركات, و(رجال تحت الشمس) لغسان كنفاني, فما بالنا وهذه الروايات وأخرى غيرها كثير تقرع أجراس النذير أكثر من البشير وهي(ضو البيت) في الأدب العربي ونحن لا نعطيها أهميتها, ونعقد الصلات بينها وبين واقعنا الاجتماعي بل والسياسي؟ وإذ تدور عجلة الزمان نعترف بأن مثل هذه الروايات كانت تجليات للرواية العربية في مراحل تاريخية, والإفادة منها لإضاءة البيت العربي أكثر من الاستمتاع بالإبداع العربي. رحم الله الطيب الصالح.. وقد كنا نجتمع معه في المؤتمرات والندوات على مساحة العالم العربي حتى تفجرت نكسة حزيران فإذا بنا موزعون في كل مكان, ويصبح الطيب الصالح رئيسا لقسم الدراما في الإذاعة البريطانية باللغة العربية فأرسل من إنتاجي الإذاعي مسلسلا دراميا يوافق عليه فورا مع رسالة لطيفة, وأعود لا ألقاه ولا اجتمع به لكنني تذكرته بقوة وبحضور لأعماله الأدبية وأنا في السودان في السبعينيات, وقد سحرتني أسواق أم درمان الضيقة بظلالها العابقة بالتاريخ, ودهشت لمنظر النيلين الأزرق والأبيض, وأنعشت روحي الخضرة الداكنة والمياه الموزعة في العاصمة السودانية الثلاثية فأحببت السودان, وتمنيت لو أعود لفترات أطول مع إحساسي أنها لن تكون الأجمل. وفي الثمانينات وأنا في اللجنة الوطنية لليونيسكو السورية أفاجأ بزيارته لي في مكتبي وقد أصبح مديرا إقليميا في اليونيسكو, سررت بالطبع للقائه, ووجدته أكثر حزنا وأكثر صمتا وأكثر تواضعا, وأكثر انتماء وولاء للسودان, وقال لي والأحداث بدأت تتفجر حولنا في العالم العربي: قرأت روايتك (الدوامة) علينا أن نغرس سكيناً في الأحداث التي تمر بنا, قلت له: أنا لا أحمل سكيناً بل أحمل دمعة وشمعة, ولعلي أغرس أظافري أحيانا في جسدي وتظل عيناي مفتوحتين مهما خفت مني الصوت ولو لامسني الموت. ويظل الطيب الصالح علما من أعلام روايتنا العربية التي نفخر بها بين الأمم بأنها إبداع حقيقي في زمن أكثره مزيف تهاطلت فيه الروايات العربية من رجالية ونسائية حتى لم نعد نستطيع أن نعثر على (ضوء البيت) العربي في الإبداع العربي, وحتى أننا أصبحنا نفتقد (عرس الزين), و(بندرشاه), وأمثالها وإن كانت كل منهما مسلكا وسبيلا لروايات مشابهة كما في الرواية السودانية(الدغل) مثلا, والأخرى المصرية, والثالثة الجزائرية, وحتى السورية أيضا.
|
|