فالقضية التي حملتها هيوز في جولة (العلاقات العامة) وتقصدت تسويقها عبر العناوين المختلفة, وباستثارة لمشاعر الناس الذين التقتهم في المنتديات والجامعات وخاصة حشود النساء, وأولئك اللواتي يمثلن منظمات غير حكومية مدافعة عن حقوق المرأة والسلام, وقطف بعض الثمار الفورية والسريعة لها, وترجمتها صيغاً تقلب الصورة السلبية النمطية المعروفة والمشوهة لأميركا, بعد كل ما ألحقه المحافظون الجدد بها من ضررٍ وتشويه وتردٍ, بدت قضيةً خاسرة وصعبة الترميم, إن لم نقل مستحيلة في ظل الواقع والأداء السياسي الحالي.
إذ إن ما قدمته إدارة بوش في فترة الرئاسة الأولى وخلال عامٍ من الثانية للمنطقة والعالم, لم يتعد إشاعة الفوضى والحرائق والحروب والانتهاك السافر للحريات وحقوق الإنسان, والتوزيع المعمم للموت بأنماطٍ مرعبة وأشكال تستفزُّ وتستصرخ الضمير البشري في الساحات العراقية والفلسطينية والأفغانية, وليس غير الاستثارة لمشاعر الحقد والكراهية وتغذيتها على مستوى الكون بأسره, ذاك الذي وجدت شعوبه نفسها أسيرة حالة غير مسبوقة من الانفلات والعربدة والطغيان لسياسة القطب الواحد, وإزاء أطماع ومشروعات أميركية -صهيونية تتناهب رؤوس أصحابها أحلام السيطرة, والعودة بالعالم إلى القرون الوسطى وعهود الامبراطوريات والاستعمار القديم.
في العراق كما في فلسطين ثمة أناسٌ يموتون يومياً ويذبحون بالمئات, وتتولى آلة الدعاية والحرب الأميركية الرعاية المباشرة والتنفيذ لعملياتها طبقاً لأجندة تقول:إن تصفية أي عربي وتغييبه عن الساحة طفلاً كان أم امرأة أم شاباً أم شيخاً مسناً, هو أمرٌ يريح إسرائيل ويصب في مصلحة مشروعها التوراتي, ويخدم بالتالي التوجه الحالي للصقور واليمين المتصهين في الولايات المتحدة, في التمدد والسعي لترهيب العالم وابتزازه وإخضاعه..وثمة قضية عمرها عقود وشعب مشرد وأراضٍ عربية محتلة, اغتصبت بالعدوان والقوة الغاشمة ويجري قضمها وتهويدها بتغطية ودعمٍ أميركيين, خلافاً للقانون الدولي, وبحروبٍ وتدخلاتٍ وشعاراتٍ زائفة, ومهما فعلت إدارة بوش فلن يكون بمقدورها وفي جولة( علاقات عامة) ولا في جولات كثيرة من هذا النوع, تحسين صورتها وإزالة ما علق بها من سواد وشرور ومظالم.
ما تحتاجه الإدارة الأمريكية: إعادة النظر في مفاهيمها وخطابها وأدائها, والتصحيح والتصويب لسياساتها الخاطئة في الاتجاهات التي تتيح الخروج المشرف وقبل فوات الأوان من المستنقع العراقي, والكف عن التدخل و إثارة النزاعات وتصدير الحروب وأخذ جانب الحق والعدل والانتصار للشرعية وللقانون الدولي, بدلاً من الغطرسة وركوب الرأس والمضي في السياسات المتهورة والمغامرة, واللهاث وراء إسرائيل وخوض حروبها تلك التي ما عادت على المنطقة والعالم والشعب الأميركي نفسه, ولن تعود بغير المزيد من الكوارث والآلام.
هي مهمةٌ ليست بالسهلة وتحتاج إلى وقتٍ طويل وجهد صادق يستطيع أن يغسل الجراحات ويزيل الأدران, ويكفِّر عن ماضٍ وحاضرٍ لم تثبت فيه الولايات المتحدة الرسمية, الأهلية لأن تكون القائد لهذا العالم والضامنة للسلام والأمن والاستقرار في أي جزءٍ منه, ولاوُفِّقت في أن تكون النموذج الصالح للبلد الحر وحامي الديمقراطية وحقوق الإنسان, قدر ما قدمت الوجه القبيح والنموذج الأكثر فجاجة وعدوانية, وخطورةً وتحدياً واستجراراً للمظالم ولعداء وكراهية الشعوب.