بالتأكيد كان هذا قبل تغير الأحوال وضياع المعنى الحقيقي لأي لقب أو مصطلح ولايقتصر الأمر على الأستذة والدكترة وغيرهما كثير..
في بداية دراستي الثانوية كنت ومازلت مغرماً بكتب الراحل شوقي ضيف ولاسيما العصر الجاهلي وماتلاه من كتب قدمت دراسات فنية رائعة في الأدب العبري وسحرتني الصفحات الأولى لاسيما التعريف الوجيز والمقتضب: شوقي ضيف أستاذ ذو كرسي في جامعة كذا وكذا.. والأمر ذاته مع كتب شكري فيصل ومع مرور الزمن تغير الاعجاب باللقب لم يعد يسحرني ويشدني إلى شراء كتاب يضع مؤلفه تعريفاً موسعاً لألقابه العلمية: حاصل على كذا وكذا وكذا و.. و تعرت الحقيقة أمام وسائل الإعلام المرئية التي فضحت الكثيرين ممن أحاطوا أنفسهم بهالة من الألقاب الطنانة الرنانة، نفاجأ أنها ألقاب لاتدلل على معنى حقيقي، فأستاذ ذو كرسي تفوح منه رائحة الحقد على الوطن وأبنائه لايعرف وطنه إلا مغنماً ومكسباً يريده أن يأتي بألف وسيلة ووسيلة مهما تكونت وتنوعت وتقذرت.
وفي أستذة بعض ذوي الكراسي اتساع وخيال خصب لاتحده أفق لكنه غير بناء وفاعل.. ومن لطائف مانسمعه ونتابعه في الأحاديث العابرة أن فلاناً أستاذ في الاحتيال والنصب بل هو ذو خبرة واسعة وكأنه الزيبق يخطف منك كل شيء دون أن تدري.. هذا المتأستذ في فن الاحتيال ينقلب فجأة إلى دور الأستاذ الواعظ والحكيم الذي لم تشبعه أموال النهب والسرقات التي كانت ديدنه فإذا به أستاذ ذو حكمة يطل علينا.. وآخر لم ينل الثانوية العامة في بلده يفر من موبقاته وتفاجأ به مغسولاً من فساده بفساد آخر وصار أيضاً أستاذاً ذا كرسي في الغرب حيث منح لقب الدكتوراه على تفوقه في الاعدادية وقد علق أحد الساخرين على ذلك قائلاً: ما أروع ذلك تنال الاعدادية هنا وبموجبها الدكتوراه في لندن أو باريس وعندنا تدفع عمرك لتحصل على لقب الدكتوراه.
وفي الأستذة أيضاً أن ترى أديباً أو مبدعاً أو اعلامياً ظل طوال عمره يلتحف العطايا ويقرع هذا الباب وذاك مقدماً أوراق اعتماده من أجل مغنم صفق له الكثيرون وصفق أيضاً للكثيرين وفجأة يقفز على ألف جهة وجهة حيث المغنم أفضل وينضم إلى جوقة مهماز الدولار يكتب وينشر ويغسل يديه من ادرانه ولكن بأدران أشد سواداً ويأتيك من يقول قال فلان وفعل فلان.. ألم تسمعوه ألم تروه.. نعم رأيناه وسمعناه وشعرنا بالألم لانتهازيته التي حذرنا منها كثيراً أشرنا إليها هؤلاء أيضاً أساتذة في الفساد ربما يحملون أعلى الألقاب الخلبية ولكن الآخر الذي يريد مسح عقولنا واغتيال تاريخنا وقنص لحظات التطور العلمي وقدرتنا على تحقيق انجازات حقيقية في مسيرة المجتمع وتطوره.. وإلا ماالذي يجعل الأساتذة ذوي الكراسي في جامعات أوروبا يباركون تدمير مقدرات الوطن لماذا يصبون الزيت على نار تحرق المدارس والمعاهد والجامعات ماذا يعني استهداف مدرسة تطبع الكتاب وتوزعه مجاناً هل هذه حرية.. هل هذه ديمقراطية ...!؟ ماذا يعني أن تحرم مئات الآلاف من تلامذتنا وطلبتنا من الحصول على كتاب مدرسي ؟! هل حققت انجازاً لمجتمعك أم للآخر الذي منحك ألقاباً وهمية ودفع بك لتمارس التخريب في وطنك..
على كل حال أساتذة ذوو جهل وليس كراسي سيذهبون مع أول ريح وهم طارئون، الأساتذة الحقيقيون بنوا هذا الوطن هم الفلاح والعامل والمهندس والجندي وإلى كل ما في القائمة من شرفاء وهم حماة الوطن وسياجه كل في موقعه..
للشرفاء أنتم أساتذة الأمس واليوم والغد.. أنتم ننحني لإبداعكم لجهودكم.. أنتم لاتباهون بألقاب وهي حقيقية لاتفعلون ذلك لأنكم حقيقيون.. أنتم أساتذة بمرتبة الشرف والوطن شرفنا جميعاً .