إلا إذا كانت تلك المطالبة أحد أوجه التفسير الجديد لمبدأ النأي بالنفس، الذي تبحث تيارات سياسية لبنانية منذ أشهر لتعديلات في المفهوم يتطابق وممارساتها في الزج بالنفس في قلب الأحداث.
والأصعب من هذا وذاك، أن يأتي أحد ليقدمها على أنها ليست أكثر من زلة لسان في التعبير لا تستدل على ما فيها من تفسيرات، ولا تدرك أنها حمّالة أوجه، وثمة من يترصّد للصيد فيها والبحث عن منافذ جديدة يستطيع عبرها أن يعوض ما عجز عنه الآخرون سواء ما جاء منها بزلة لسان، أم ما كان متعمداً ومدروساً وجدياً.
لو أن الأمر جاء في سياق طبيعي ومن جملة الإرهاصات التي تحفل بها الساحة اللبنانية، لكان باستطاعة الكثيرين أن يتفهموا أبعاد وضرورات الطرح من زواياه المختلفة، لكن التوقيت الذي جاء فيه أخرجه من سياقه الاعتيادي وبالتحديد حين يرتبط بجملة من الظواهر الدالة عليه إقليمياً ودولياً.
بداية .. ليس بمقدور أحد تبرئة هذا التناغم في الحديث عن إقامة مخيمات للاجئين داخل الأراضي السورية، في وقت تزامنت فيه الشكوى المزدوجة لكل من لبنان والأردن لتتحوّل القصة بمجملها إلى أحجية جديدة لتسويق ما بطل منذ زمن بعيد، ولاسيما حين يرتبط بكم هائل من المعطيات التي تحاول استعادة الكثير مما أدرج في خانة النسيان بعد أن استحال تطبيقه بالتجربة.
وما يبدو مستحيلاً تطبيقه على المستوى الدولي يبدو لافتاً أن يأتي التعويض من الجوار على شكل أفكار يتم قذفها في ملاعب السياسة الدولية على أنها فقط محاولات لاستدراج مخارج يمكن من خلالها تدوير الزوايا للوصول إلى ما فشلت كل الزوايا - بعد التدوير وقبل التدوير - في تحقيقه.
قد يستطيع البعض أن يجادل في النيات، وأن يحاجج أحيانا في التفسيرات المتباينة، لكن ليس على قاعدة الصيد في الماء العكر واللعب على ألفاظ، بات من المحسوم أنه يدرك فعلاً إلى أين تؤدي -هذا إذا افترضنا حسن النية- ويدرك بالمقابل أنها في زمن الجعجعة لا تنتج طحيناً حتى لو ساءت النوايا.
الفارق بين الاثنين، أن الخلطة العجيبة تلك حين تُقدّم على الطريقة اللبنانية، بما تنطوي عليه من مفارقات، تظل شاهدة على المنحى الذي تتحرك وفق قواعده الناظمة، والتي تسجل حضوراً لافتاً ينتج في أغلبه من شواهد الانزياح نحو الغوص في حسابات لا يبدو لبنان مؤهلاً للخوض في احتمالاتها.
على المقلب الآخر حين تقترن بالفكرة ذاتها وبالمصطلح عينه من الجانب الأردني، لنا أن نقرأ مباشرة المصدر، وأن نسجل بشكل لا يقبل الجدل تلك الحسابات، التي تمزج بين النأي بالنفس والخصوصية الأردنية على الإمساك بطرفي المعادلة رغم تناقضها الصارخ على قاعدة الحرص الاردني.
ما يسجّل اليوم ليس غوصاً في البحث عن أجندة لتسجيل مواقف عديدة متنقلة، في أغلبها تحاول أن تعيد رسم موقع لبنان داخل حقيبة السياسة الأميركية بحلتها الجديدة، وهي تقدم المحميات كبديل للنأي بالنفس، التي باتت موضة قديمة غير صالحة للتداول في زمن البحث عن مقاربات تختلف في جوهرها عما كان مقبولاً في زمن حروب الوكالة.
وحين يحضر الأميركي لا بد من أن يتغير الهندام اللبناني، بحيث نستطيع أن نقرأ ما يقود إليه من حسابات المعادل الجديد للحرب، التي تريد أميركا أن تجرب قدراتها في إدارتها المباشرة لكثير من مقارباتها، على قاعدة ان الوكلاء الأصلاء منهم والمستجدين باتوا لا يجيدون التغريد على النغمة الأميركية، ليس بحكم الرغبة، بل بسبب ضياع البوصلة وتعثّر الحسابات الكبرى في معركة لا تقبل القسمة على اثنين، وليس فيها ما هو رمادي وفق الحساب الأميركي على الأقل.
a.ka667@yahoo.com