تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الاحتلال الاستعماري الناعم.. قواعد عسكرية وإرهاب بقيادة أميركية

الصفحة الاولى
الإثنين 22-12-2014
د. أمين حطيط

لم تعترف الدول الاستعمارية يوماً بسيادة الدول الأخرى ولم تراع أبداً قراراً مستقلاً لهذه الدول، وكانت سياسة الهيمنة والاستتباع باستمرار هي السياسة المتبعة من قبلها لوضع اليد على غيرها،

في عملية استحواذ على كل شيء فيها بدءاً من تعيين الحاكم وصولاً إلى العلاقات الخارجية لتلك الدول مروراً طبعاً بسياستها الداخلية وقرارتها الاقتصادية، والمثل النموذجي في هذا الشأن يمكن رؤيته في الدول العربية الخليجية التي هي في الشكل دول مستقلة وفي الحقيقة لا تعدو كونها مستعمرات لبعض دول الأطلسي خاصة أميركا وبريطانيا وفرنسا.‏

قبل العام 1990، كان الغرب يمارس هيمنته واستتباعه لتلك الدول عبر العمل السياسي الذي لا يستوجب اللجوء إلى القوة العسكرية، وباستثناء بعض القواعد العسكرية المحدودة الحجم والأثر، وبعض الخبراء العسكريين الذين ينتدبون في مهمة «النصح والتوجيه» لجيوش دول الخليج بما يمكنهم لاحقاً من تنظيم لوائح طويلة بمشتريات الأسلحة الغربية التي لا تستعمل، باستثناء ذلك لم يكن هناك وجود عسكري مؤثر يمكن توصيفه بالاحتلال المباشر.‏

لكن بعد غزو الكويت و»تحريرها» العملية التي استأثرت الولايات المتحدة الأميركية بالإخراج والإنتاج فيها، تغير الوضع، وقررت أميركا أن تلجأ في بسط سيطرتها على المنطقة إلى استراتيجية الحضور العسكري المباشر الدائم، وان تنفذ انتشاراً عسكرياً واسعاً في الخليج، فابتدعت تبريراً له أو ذريعة له الادعاء بأنها تريد «حماية « دول الخليج من «أطماع إيران» التي صورتها أميركا بانها «غول» يريد أن يفترس أشباه الدول تلك عبر تصدير الثورة الإسلامية اليها.‏

طبعاً فتحت الأبواب للأميركي – الذي لا يستأذن أصلاً خليجياً في اقتحام داره – وفي اقل من أشهر ثلاثة تغير المشهد العسكري في الخليج حيث زرعت القواعد العسكرية الأميركية من الشمال الغربي للخليج (الكويت) إلى الجنوب الشرقي (عمان) إلى أن شكلت تلك القواعد أرخبيلاً عسكرياً ادعت أميركا بانه أنشئ لحماية الخليج ودوله،خلافاً للحقيقة التي حركت أميركا فعلياً لإقامته، فغايته الأصل كانت «تشكيل منظومة عسكرية قريبة « للعمل ضد إيران ولوضع اليد على النفط في المنطقة وتشكيل خط دفاع بعيد لحماية “إسرائيل».‏

لقد فرضت أميركا على دول الخليج استقبال قواعد عسكرية لجيش أميركي كامل مع كل ما يتطلبه العمل العسكري المتكامل، فكانت القوة البرية الأساسية في الكويت (الفرقة الأميركية الثالثة ومعها قوات خاصة للتدخل السريع) وكانت في السعودية ثم في قطر القاعدة الجوية الأميركية الكبرى في العيديد ( فيها من 100 إلى 110 طائرات F16 أو ما يوازيها إضافة إلى الطائرات العامودية) وكان الأسطول البحري الأميركي الخامس المنتشر في الخليج وقيادته في البحرين، ثم كانت القواعد اللوجستية الأميركية الكبرى في الامارات وعمان على مدخل الخليج.‏

لقد أقيمت هذه القواعد استناداً إلى مبدأ أساس يعتمده الغرب كما ذكرنا وهو الاستئثار بالقوة وحجبها عن الآخرين مدعياً بانه هو المدافع والحامي لهم.وبمقتضى هذه السياسة أيضاً يمنع الغرب السلاح عن الآخر إلا اذا كان هذا السلاح سيستعمل في الوجهة التي تحقق الأهداف الغربية، وبهذا يفسر كيف أن أميركا سارعت في العام 2003 وفور احتلالها العراق إلى حل جيشه، وكيف انها حالت بعد ذلك دون تشكيل جيش عراقي يستجيب تنظيمه وتسليحه للأصول والمبادئ العسكرية المعمول بها في العالم لبناء الجيوش القتالية القوية، منعت ذلك رغم انها تعلم بأن العراق بحاجة ملحة لمثل هذا الجيش ليواجه أخطار الإرهاب الذي تفشى فيه إبان احتلالها له، ويحتاجه للحؤول دون النزعات الانفصالية التي تصاعدت فيه بشكل علني.‏

ورغم حجم التهديدات للعراق في أمنه ووحدته استمرت أميركا خاصة والغرب عامة في السياسة ذاتها في حجب السلاح ومصادر القوة عن الدولة العراقية التي تسعى لحماية وحدتها وسيادتها والآن تجاهر أميركا وبكل وقاحة، بخطة تسليح العشائر العراقية وبعض الفئات الشعبية بعيداً عن قرار الدولة ودون موافقتها، في سلوك يمتهن سيادة العراق وأمنه ويخرق الاتفاقية الأمنية الموقعة معه (الإطار الاستراتيجي للعلاقة بين الدولتين).‏

هنا قد يتساءل البعض عن خلفية التصرف الأميركي هذا. ولكننا وعطفاً على تاريخ التصرف الأميركي في المنطقة والعالم لا نرى هذا الأمر في العراق شيئاً جديداً أو غريباً على النهج الأميركي، حيث نذكر ، كيف أن أميركا فتحت أبواب مخازنها ومستودعاتها على مصراعيها لتسليح الجيش اللبناني في العام 1983 ، لأجل بناء الجيش الذي يمكن السلطة الكتائبية يومها من تنفيذ اتفاق 17 آيار1983 وفرض انتظام لبنان في الفلك الغربي كلياً، (طبعاً لم تكن الأسلحة مجانية فقد فرض على الدولة شراء السلاح ودفع ثمنه)، لكن أميركا انقلبت على سياستها تلك وحجبت أي مساعدة ومنعت بيع أي سلاح للجيش اللبناني بعد إسقاط 17 أيار في العام 1984، وبعد اعتماد الجيش اللبناني عقيدة قتالية تنظر إلى إسرائيل بأنها العدو الرئيسي للبنان وأن سورية هي الشقيق الصديق الأقرب اليه.ثم لا ننسى ما قامت وتقوم به أميركا ضد المقاومة من ملاحقة وحصار وتضييق لمنعها من التسلح وامتلاك القوة العسكرية الدفاعية عن لبنان.‏

أما على الاتجاه السوري فلا نرى السلوك الأميركي بأفضل حال عما هو في العراق لا بل انه ادهى وامر، حيث أن أميركا وبكل وقاحة تجاهر بأنها تدرب وتسلح من تسميهم «معارضة معتدلة» وتوفر لهم المعسكرات في قطر والسعودية وتركيا والأردن من اجل إعداد «الجيش المعارض» الذي يقاتل الجيش النظامي في الدولة، فأميركا التي حلت الجيش العراقي تريد أن تتخلص من الجيش العربي السوري الذي اذهل العالم بقدراته القتالية والمعنوية والذي صمد صموداً أسطورياً في الميدان وحقق الإنجاز تلو الإنجاز، وحفظ وحدته وتماسكه رغم كل المحاولات التي استهدفته.‏

وفي الخلاصة نرى وبشكل أكيد أن أميركا لا تقدم على نشر القواعد العسكرية ولا على خطة التسليح تلك حباً بأهل الخليج وبالعشائر العراقية أو بالشعب السوري كما انها لم تسلح الجيش اللبناني ساًبقا حباً بلبنان وحرصاً على أمنه، إنما تقدم على ذلك من اجل خدمة استراتيجية جديدة اعتمدتها كما يبدو بعد فشل خططها واستراتيجيتها في المنطقة الواحدة تلو الأخرى. فأميركا التي يئست من تحقيق خرق استراتيجي في سورية ويئست من احتواء إيران وكبح تصاعد المد الروسي قررت أن تنفذ ما أسميناه «الاحتلال الاحتيالي الناعم « الذي يقوم على ركنين أساسيين:‏

1) الأول : أرخبيل من القواعد العسكرية يمتد من عمان حتى تركيا بدءاً بساحل الخليج الجنوبي مروراً بالعراق ويشكل جداراً يذكر بالستار الحديدي الذي أقامه الأطلسي ضد الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو واليوم يبدو أن الشيء نفسه يتكرر مع الحلف الأطلسي بقيادة أميركية، ولأجل ذلك وبالإضافة إلى القواعد الأميركية التي ذكرنا وحتى تكون المسؤولية أطلسية، كانت القاعدة العسكرية الفرنسية في الإمارات التي افتتحت في أواخر آيام ساركوزي، ثم القاعدة الإنكليزية التي قررت بريطانية إقامتها في البحرين مدعية بأنها من أجل حماية البحرين من إيران. وبات لهذا الارخبيل العسكري اليوم وظيفة جديدة بعد تصاعد الدور الروسي في المنطقة والعالم، وهو التكامل مع الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية لاحتواء أي تهديد قد تشكله إيران أو روسيا، ثم تشكيل سيف تهديد دائم يشهر بوجه هاتين الدولتين.‏

2) أما الثاني فيتمثل بالإرهاب عبر دعم ونشر عصابات مسلحة تعمل بقيادتها وإدارتها (أي أميركا) في كل من العراق وسورية، ولأجل ذلك أنشأت المنظمات الإرهابية ومكنتها من العمل وتخطط الآن لتسليح عشائر السنة العراقيين بـ حجم 50 الفاً وتخطط لإقامة القواعد العسكرية الخمس في العراق وتخطط لتنظيم جيش بديل في سورية بحجم 25 الفاً يعمل بقيادتها طبعاً، وتستمر في دعم عميق لداعش التي أنشأتها والتي لا زالت تتلقى منها السلاح لدى كل ضائقة ( هذا ما حصل علانية مع ادعاء الخطأ في عين العرب في سورية وفي جرف الصخر في العراق والأكثر فظاعة ما تم في الأسبوع الأخير ما قيل أن 500 ممن دربتهم أميركا وأدخلتهم إلى سورية انشقوا والتحقوا بداعش ).‏

وإذا كان الركن الثاني من الخطة الأميركية أمر سيفرض على المعنيين خاصة في محور المقاومة الاستمرار في مواجهته وهم قادرون على إسقاطه خاصة بعد تراكم هذا الكم الكبير من الإنجازات ضد الإرهاب المسير خليجياً وأميركياً، فإن التحدي الكبير سيكون في منع إقامة القواعد العسكرية في العراق والحؤول دون التدخل الأميركي في تسليح العشائر تحت أي عنوان أو ذريعة وهو امر يبدو انه ممكن خاصة بعد المواقف العلنية التي صدرت عن حكومة العراق مدعومة بمحور المقاومة بكل أركانه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أمين حطيط
أمين حطيط

القراءات: 1143
القراءات: 1786
القراءات: 1884
القراءات: 2109
القراءات: 2441
القراءات: 2489
القراءات: 2548
القراءات: 2536
القراءات: 2502
القراءات: 2999
القراءات: 3494
القراءات: 3104
القراءات: 3650
القراءات: 3487
القراءات: 3239
القراءات: 3807
القراءات: 3507
القراءات: 4526
القراءات: 4327
القراءات: 4704
القراءات: 4404
القراءات: 4308
القراءات: 4322
القراءات: 4726
القراءات: 5301

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية