علماً أن صحيفتي «الثورة» ورئيس تحريرها بشكل طبيعي تركا لي فرصة مقالة سياسية اسبوعية - كل أربعاء – على الصفحة الأولى، وبما أني اتجهت في عملي الصحفي طويلاً نحو الشأن المحلي والثقافي والاقتصادي على وجه التحديد، يبدو للوهلة الأولى أنه سهّل علي المهمة..؟ ولا أظنه فعل..؟ فبالحال الطبيعي لايمكن خلق حاجز فصل بين السياسة والشؤون المحلية والثقافية والاقتصادية، فكيف بالحال الذي نعيشه وتعيشه معنا بلدنا هذه الأيام ؟.. لكنه دون أي شك محق في ملاحظته.
الأزمة اليوم تسيّس كل شيء.. ومالاتسيسه تلقائياً تجد دوماً من يستفيد من الأزمة الكارثة التي نعيشها ليلبس كل خلل.. أو فشل.. أو عجز.. وحتى فساد.. لباساً سياسياً، مدعياً أن الوضع يفرض علينا ذلك كله !؟
ما من شك أن ثمة الكثير من توترات حياتنا الراهنة والأزمة التي نعيشها في كل جوانب الحياة ناجم عن الوضع الأمني المأساوي الذي لم تعشه هذه البلد ولا هذا الشعب يوماً.. لكن مثل هذا الوضع يفترض إلباس كل قضايا حياتنا لباس الجدية والابتعاد بها عن التجريب والتخريب و الكسل والفساد، يعني بصراحة ثمة الكثير الذي نعاني منه ليس بسبب الوضع القائم بل بسبب تفاقم المشاكل القابلة للحل وانتشار الفساد أكثر بكثير مما كان عليه قبل الدخول في هذا النفق المظلم.
لا.. لن أحمّل الحكومة وحدها المسؤولية، ولن أميع الأمور كأن أقول: كلنا مسؤول..!! ليس كلنا مسؤولاً.. بعضنا مسؤول ومخطئ ومرتكب وبعضنا ليس كذلك، و إذا كانت الحكومة تعمل بظروف شديدة الصعوبة وتستطيع - بشكل ما - قيادة البلد بهذه الظروف الاستثنائية فعلاً فهي أولاً لاتتعثر فقط بسبب الظرف القائم بل هناك فشل إداري أكيد نلمسه في كثير من مجالات الحياة، وثانياً فقد أظهر الشعب السوري الكثير من تقدير الظروف الراهنة ومنح الحكومة الأسباب التبريرية من أجلها.
خذ مثلاً القضيتين الرئيستين في المواجهة المستمرة بين الحكومة وشؤون الحياة العامة للمواطنين وهما: الوقود والكهرباء.. يعني الطاقة.. رغم النق الأكيد وأحياناً بصوت عالٍ من هنا وهناك من هذا وذاك.. فإن عامة الناس تقدر الظروف الكارثية التي تعمل الدولة أو الحكومة في ظلها، بل إن عامة الناس تضمر مشاعر الحب الكبير لجنود يعملون كعمال الكهرباء رغم ما يواجهه هؤلاء الناس في مسألة الكهرباء.
برأيي أن الحكومة تفشل - أكثر ما تفشل فيه – في توجهها للناس والرأي العام بمصداقية ومشاركتهم الرأي حول ما يجري والظروف التي نعيشها !!؟ فإن كان ذلك حيناً من مسؤول أو في خطاب حكومي تجده منقوعاً بالنشا جامد متخشب لايقنع أحداً، بما يترك للناس الابتكار ونشر الشائعات.. كلّ كما يستطيع و يريد ؟!.
من يومين مثلاً كانت هناك تسعيرة جديدة للوقود والكهرباء وضعتها الشائعات والحكومة غير معنية في الايضاح..؟!
لا شيء صحيح محسوب بدقة يمكن الخوف منه.. فليعلن بوضوح وشرح دقيق حتى ولو كان رفع أسعار ضروريات في حياة المواطن.. وصدقوني أن رفع الأسعار يأتي أحياناً ببعض الايجابيات ولاسيما عندما يكون مفهوماً من الناس.. سأشرح حول ذلك.. ربما في الزاوية القادمة.
as.abboud@gmail.com