وهي في محصلتها النهائية نموذج للتناقض الحاد الذي يجتاح تفكير أولئك, عندما يستسهلون الطريق, فيغنون مع الذاهبين, ولا بأس أن يطبلوا مع العائدين.
وآخر صرعات أولئك من يتحدث عن (المأزق السوري) بعد الخروج من لبنان وكان غيرهم كثيرون قد أسهبوا في شرح ذلك ( المأزق) قبل الخروج وأثناءه, ولا سيما عندما يتحدثون عن المشهد الدولي الذي فهموه دون سواهم, ولا ينسون في النهاية أن يتقدموا بجملة من النصائح للسياسة السورية.
أولا: لا بد من الاتفاق على أن ما يقترفه أولئك من خطايا ليست نتاج عقل سطحي يقرأ القشور والظواهر, وليس لديه القدرة على استنباط الجوهر والوصول إلى هذه الاستنتاجات الخاطئة في الشكل والمضمون.
ثانيا: ثمة إدراك متنامٍ بأن السوريين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم يشعرون بالرضا التام عن قرار عودة قواتهم إلى داخل الأراضي السورية, وهذا يتساوى فيه الجميع ولم نسمع أحدا في سورية اعترض على هذا القرار, وهذا يعني ألا يوجد مأزق.
ثالثا: الكل يدرك حجم التضحيات التي قدمتها سورية في لبنان, والدور الفعال الذي أدته في وقف الحرب الأهلية, وصد العدوان الإسرائىلي ثم دحره, والكل أيضا موافق عليه ومؤيد له.
رابعا: ما تشير إليه وسائل الإعلام العالمية والتحليلات التي يكتبها كبار الكتاب هو مأزق الاحتلال سواء في العراق أم في فلسطين, وحتى المسؤولون الأميركيون أقروا بفداحته, والإسرائيليون اضطروا إلى إخلاء غزة هروبا من المأزق.
وعلى مدار الأيام كان المأزق إذا ما أصاب مشروعا ما, فإن الملحقين به يصابون بالدوار وهناك من يقول إنهم يصابون بفقدان الذاكرة, ويبدو أن هؤلاء أصيبوا بالاثنين معا, ولا يستبعد أن يصابوا بالثالث كنتيجة له.!
لا أحد ينكر بأن موجة داء اليأس قد أصابت البعض, ولكن في الوقت ذاته هناك من تطوع لتسويق اليأس, وتضخيم مفاعيله ومساحاته, ولو كان على حساب الحقيقة, وعبر الافتراء والتضليل.
والسؤال الذي لا بد لنا أن نسأله اليوم.. ترى ألم يتعلموا من مصير بعض الذين اتخذوا من نموذج كوبنهاغن مصدر استرزاق لهم? أم أن التجربة يراد لها أن تتكرر بصور وأشكال مختلفة.?
غير أن الأدهى من هذا وذاك أن تكون وثائق أولئك وأدلتهم الدامغة التي يتشدقون بها بعض الفتات الذي ينشر هنا وهناك, وهو فتات يقتات به البعض, وثمة من يتعسر في هضمه!!
لا شك أن المغالطات هنا لا تقتصر على خطأ التحليل وخطيئة الاستنتاج بل هي أيضا في منطق الحسابات التي يرسمون على أساسها بعض القناعات ويجهدون لتسويقها وكأنها الحقيقة المطلقة.
وعندما يبدأ الواقع برسم صورة مغايرة يعود أولئك إلى نغمات يفوح منها الكثير من أصابع الشبهة والسطحية والالتباس في التحليل, ولا سيما في ظل ما نشهده من انكسارات متتالية في حلقة الوهم الذي صنعوه وأرادوا أن يقيسوا على أساسه.
تلك هي بعض صور المراجعة التي تفرضها تلك المغالطات, وثمة الكثير منها والذي يحتاج إلى مساحة أخرى تكون فيها الصورة قد أصبحت أكثر وضوحا وبان من يعاني من المأزق الفعلي وأين وفي أي اتجاه?!