ألم يكن العالم كله يعمل بالمقايضة والمكافئ العام للأسعار وتطور هذا إلى اعتماد الذهب والفضة، وسيطرت القاعدة الذهبية حتى بداية القرن العشرين، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية وخروج الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة ومتربعة على عرش الاقتصاد العالمي و امتلاكها لما يعادل 2/3 من الذهب العالمي, ونتيجة ذلك تم في عام 1944 عقد اجتماع في مدينة بريون وودذ في أمريكا وحضره /44/ دولة، وتم اعتماد التعامل مع العملة الأمريكية كعملة عالمية وتجاوز فكرة العالم الاقتصادي الانكليزي ( جون ماينارد كينز ) لاعتماد عملة عالمية وأطلق عليها اسم ( البانكور), وعلى أساسها تم ّربط الدولار بالذهب على أساس أن سعر أونصة من الذهب وزنها /31,1/ غرام تعادل /35/ دولاراً أي أن سعر غرام واحد من الذهب هو بحدود /1,13 / دولار وظهر الدولار الذهبي، وبموجب ذلك يحق لكل من يملك دولارات أن يبدلها بالذهب من أي بنك أمريكي.
واستمر العمل بهذا المعيار الدولي حتى 15/8/1971 عندما أصدر الرئيس الأمريكي (نيكسون ) قراره بإلغاء الدولار الذهبي وقال ( أنّ قيمة الدولار تكمن بذاته وبكونه أصبح عملة العملات ويملأ خزائن البنوك المركزية في العالم ولا أحد يتجرأ للتخلي عنه لأنه عندئذ سيهدد عملته الوطنية ) وكانت هذه من أكبر عمليات السرقة الاقتصادية في التاريخ، وأطلق اليابانيون عليها (صدمة نيكسون).
وكانت الأسباب الكامنة وراء ذلك زيادة الطلب على الذهب من الخزائن الأمريكية وأدى هذا إلى تراجع الاحتياطيات الذهبية في البنوك الأمريكية وبالتالي ارتفاع سعر الذهب بالدولار، وفي عام 1969 تم اعتماد حقوق السحب الخاصة من قبل صندوق النقد الدولي وهي وحدة حسابية مرتبطة بسلة من العملات الدولية وتحسب قيمتها على حساب متوسط قيمة هذه العملات بعد تثقيلها، وهذه يمكن تحويلها إلى أي عملة دولية أخرى وفقا لحسابات معتمدة من قبل صندوق النقد الدولي.
ومع الأزمة الاقتصادية العالمية الأمريكية الأوربية والتي انفجرت في 15/9/2008 بدأ الدولار يفقد بحدود 30% من قوته الشرائية وسعر صرفه،و لم يعد حافظا أمينا للقوة الشرائية وغير مقبول دوليا وتخلت بعض دول العالم عن ربط عملتها به ولم يعد وحدة قياس أو مقاصة بين الدول, وفي هذا الوقت بدأت دول جديدة تظهر على الساحة العالمية ولها بصمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وتوحدت في وجهات نظرها وقررت تجاوز الاعتماد على الدولار، وتقود هذا التوجه كل من الصين وروسيا معتمدة على تزايد النتائج الكارثية للأزمة الاقتصادية العالمية وزيادة العجز في الميزان التجاري وانخفاض الطلب على سندات الخزانة الأمريكية، وبنفس الوقت زيادة معدل النمو الاقتصادي في دول البريكس والتي تشكل 15% من التجارة العالمية و18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و42% من سكان العالم....الخ، وتوحدت رؤيتها السياسية في اجتماعها الأخير في الهند بتاريخ 1/4/2012 سواء من ناحية دعوتها للتبادل بعملاتها الوطنية وإنشاء بنك للتنمية خاص بهاعلى غرار صندوق النقد الدولي وتنسيق مواقفها السياسية كما هو الحال عليه في الشأن السوري والإيراني والكوري والكوبي...الخ.
فهل تطرح عملة جديدة تنافس أو تحل محل الدولار والذي استباح العالم دون أي تغطية ذهبية أو إنتاجية ، إن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات ولكن البصمة الأكبر هي للأقوياء.