في الممارسة ربما بات من الثابت أن معادلة من هذا النوع هي معادلة صحيحة مستخدمة وفاعلة في كثير من الأحيان والظروف، غير أن الممارسة ذاتها تكشف ربما هشاشة المعادلة وتؤكد أنها لا ترقى إلى ثبات النتائج والمحصلات النهائية التي تنتهي إليها المعادلات الرياضية والكيميائية، ما يعني أن ثبات النتائج والمحصلات جعل المعادلة تنتج قانوناً يُدرس بثقة ويُعمل به ويُبنى عليه، وهو ما لم ترق له (معادلة القوة والسياسة)، وهذه أميركا النموذج والمثال.
الولايات المتحدة قوة لكنها لا تمتلك إلا السياسة السيئة، ولأنها تقود وتتسلح بسياسة رديئة سيئة، ولأنها تتبنى سياسات لا أخلاقية، فهي تستخدم القوة بأشكالها وعواملها المتعددة (اقتصادية وعسكرية وثقافية) في اتجاهات أسوأ، ذلك أنها لا تتردد ولا تجد رادعاً يردعها عن ارتكاب كل أشكال الانتهاكات الأخلاقية طالما أنها تجد فيها سبيلاً عملياً لتحقيق غاياتها المتسلطة على الآخر والمستبدة به، وكأنها لا تكتفي بتجسيد أقصى حدود البراغماتية وأسوء وجوهها، بل تتخطاها لتكون ميكيافيلية متلونة ومتحولة سيئة وأنانية وغير أمينة حتى لأي مذهب فلسفي أو فكري تعتمده!!.
للقوة مفاهيم متعددة، لكن أميركا القوة المتوحشة تحاول غزو العالم بثقافة مبتذلة تسعى لإلغاء الآخر وعولمته من خلال استثمار الاختلافات الحيوية والتباينات الطبيعية لإنتاج مزيد من التفكك والشرذمة في المجتمعات، وليس بالاشتغال على ما هو أصيل فيها - رغم تبايناته - بهدف إنتاج مستويات وعي جماعية تنتج بدورها إرادات فعل تكون مصدر قوة إضافي لها ولهذه المجتمعات.
وبدلاً من أن توظّف عوامل قوتها الاقتصادية لتحقيق أنماط حياة أكثر رفاهية وقدرة على العمل والإنتاج بما يتجاوز محدودية المتاح، تمارس أقذر أشكال النهب والهدر في وقت واحد، وبما يسيء أيما إساءة للبيئة وللمصادر الطبيعية المتنوعة التي تغني اقتصادات العالم وتضمن حيوات أفضل للبشرية جمعاء.
ووحدها القوة العسكرية التدميرية تكاد أميركا باستخدامها المفرط لها أن تبزَّ ما سبق من أشكال قوتها، حتى إنها تكاد تختزل تلك الأشكال فيها، بجعلها الأساس في صياغة وصناعة سياساتها العدوانية باتجاه الدول في أربع جهات الأرض في المجالات الثقافية والاقتصادية، ومن خلال التلويح بها تحاول تغيير قواعد اللعبة مع القوى الدولية لفرض معادلات مختلفة عليها، لتقدم بذلك النموذج الأكثر سوءاً لعلاقة القوة بالسياسة التي كان يمكن أن تكون علاقة إيجابية فاعلة ومثمرة تنتج السلام والاستقرار والخير والرفاهية، وتصنع علاقة ميكانيكية مثالية بين المجتمعات فيها ما فيها من الأخلاق والوجدانيات بما يكفل إيجاد حلول لكل مشكلة ونهايات لكل صراع.