القائمة على قاعدة الكفاءة والفرص المتساوية ولعل ما يجعل طرح الموضوع قضية مهمة هو الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يواجهه الناس في مجتمعاتنا على وجه العموم وزيادة حدة التفاوت الطبقي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغير ذلك من مظاهر بدأت تترك آثاراً عميقة على حياة الناس وتنذر بموجات من التطرف والاحتجاج والفوضى الاجتماعية وغياب السلم الأهلي، ولعل ما تشهده بعض الدول العربية من حراك شعبي هو أحد مؤشرات ذلك. وإذا كان البعض يعزو ذلك لثقافة الفساد التي باتت تعشش في أكثر مفاصل السلطة في بلداننا العربية إلا أن ذلك وحده لا يفسر تلك الظاهرة العميقة.
لقد قرأ الباحثون الاقتصاديون والاجتماعيون وكذلك الفلاسفة والمنظرون الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبنية المشكلة للطبقات الاجتماعية من أكثر من منظور وتم تفسيرها وفق رؤى مختلفة متباينة في كثير من الأحيان، ولعل أكثر القراءات حضوراً هي القراءتان الماركسية والليبرالية، وإذا كان كارل ماركس قد فسر التفاوت الطبقي والفوارق الاجتماعية من منظور الاستغلال وفائض القيمة والبنيتين الفوقية والتحتية وتبنى تلك الرؤية العديد من الباحثين والمفكرين والتيارات السياسية والعديد من الأحزاب إلا أن ثمة نظرية ورؤية أخرى قاربت المسألة بشكل مختلف عبر عنها الفيلسوف الألماني (ماكس فيبر) وعارض فيها التفسير الماركسي للتشكيلات الاقتصادية والاجتماعية حيث يرى (فيبر) أن الفوارق الطبقية لا يفسرها مفهوم الاستغلال وفائض القيمة وإنما تكافؤ الفرص والبحث عن حياة أفضل والثقافة الاجتماعية والدينية التي تبرز قيمة المتعة والتجديد وثقافة الاستهلاك والرفاه وعلى هذه الفرضية يعتقد (ماكس فيبر) أن الثقافة التي توفرها البروتستانتية التي تجد تعبيراتها في نهج الليبرالية هي التي تخلق الدوافع عند معتنقيها للبحث عن مباهج الحياة والمتعة هي التي تسهم في تحسين الظروف المعيشية عبر المنافسة القائمة على العدالة في توفير فرص النجاح وانعدام ومنع القوانين التي تحد من تكافؤ الفرص في السوق وإطلاق العنان للمبادرات الفردية وعدم تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي لصالح فئة أو طبقة أو حزب أو جماعة سياسية ما يفسح المجال للمبادرة الفردية والذكاء الاجتماعي في تحقيق المزيد من النجاح في الشأن الاقتصادي والارتقاء بمستوى الأفراد إلى المستوى الأرقى في السلم الاجتماعي معبراً عنه بالبنى الطبقية وفق ماركس بمعنى أن الفوارق الطبقية لا يحددها مفهوم الاستغلال وفائض القيمة وإنما الكفاءة والذكاء الاجتماعي وتكافؤ الفرص وحيادية السوق والسلطة في الشأن الاقتصادي.
إن نظرة عميقة إلى المشهد العالمي في ظل ما توفره فكرة العولمة وما تعكسه من ثقافة المتعة ومباهج الحياة وتكريس فكرة أن المواطن الجيد هو المستهلك لكل ما هو جديد في عالم الموضة (والأكشن) والتظهير الإعلامي لفكرة النجاح الفردي عبر سيطرة أصحاب الأفكار على عالم المال وامبراطورياته بدل أمراء النفط والاقتصاد الريعي وبروز عالم نجوم الفن والإعلام والرياضة ورجال الأعمال وعمليات غسيل الأشخاص والأموال كل ذلك يدفع باتجاه أننا أصبحنا في عالم يتحول بشكل واضح نحو فلسفة جديدة للحياة قد تكون على قطيعة تامة مع ما ترسخ من مستويات وعي وفلسفات سياسية واقتصادية خلال أكثر من قرن من زمن مضى وتفرض على الجميع إعادة قراءة ماكس فيبر بجدية أكثر، وهذا لا يعني بالضرورة المغادرة النهائية للفلسفة الماركسية في تفسير التاريخ والصراع الطبقي فلا يمكن وضع المجتمعات الإنسانية في ظل ثقافات وبيئات مختلفة على صعيد واحد.
khalaf.almuftah@gmail.com