بل من لحظة لا يمكن لها فيها إلا أن تختار بين ثنائيتين لا ثالث لهما.. أن تكون معارضة وموالاة في وقت واحد، أو أن تكون لا معارضة ولا موالاة في الوقت ذاته، وهما في الحالة السورية الراهنة خياران أحلاهما مر!!
وربما كان أكبر هموم السوري المتأمل بالمشهد الراهن بصمت..أن عينيه الزجاجيتين ولسانه الأخرس ونفسه المتوجسة ليست خيارات حرة بالنسبة له، ولا قناعات عقلية أو رؤى معللة أو حتى مواقف انتهازية تحاول كسب اللحظة.. ومعها ربما كل الوقت المحيط بها، إذ ما أغربه من حراك لا يعرف على من وماذا يقوم ويستند، ولا يعرف بمن يتجه وبماذا يصل، ولا أعني به هنا سوى أولئك المتأملين بصمت لما يجري، ولا يدركون منه سوى أنه يهدد وطنهم الأرض والإنسان والمستقبل.
باتت المسألة أكبر بكثير من مطالبات بالديمقراطية والحريات والتداول السلمي للسلطة والقرار, حين تذهب المعارضة إلى توسل الجيوش الخارجية للزحف إلى الوطن أو عليه مهما صدقت النيات وارتقت الغايات.. ومهما كانت الشعارات أيضاً والعناوين، وتجارب أمثالنا وأمثال هذه الجيوش وأمثال هذه المعارضات ما جفّت بعد دماً أو ركاماً، وهي أيضاً أكبر بكثير من مجرد مشكلات تراكمت وتوضعت في هوامش الفساد المتعدد الأرجل وترهل السلطة وانحسار الحريات كي يكون معادل غيابها هو غياب الوطن.
وفقاً لنابليون بونابرت، الجيوش تزحف على بطونها وتنتصر حين تكتفي.. فعلى ماذا تزحف الشعوب ومتى تنتصر؟
بالطبع ليس ثمة سوري واحد يقتنع بأن أميركا وجحافل الناتو تبكي حريته وديمقراطيته وتتحرق لتحريرهما لأجله وكرمى لعينيه وبالمجان.. ولن نسوق أمثلة فمن المستحيلات البرهان على المسلمات، وليس ثمة سوري واحد لا يروم حرية أو ديمقراطية أو عدالة وكفاية ولو تزججت عيناه وخرس لسانه وداخله الخوف، ولكن:
ليس ثمة ديمقراطية توضب وتغلف وتعلب ثم تستورد لتؤكل أو تحتسى، وليس ثمة حرية تروج بقرار أو ببلاغ ولو حمل الرقم ألفاً بعد الواحد، ومثلهما العدالة والكفاية.. بل هي مدارس ودروس، أساتذة وتلاميذ.. فلا تدفعونا إلى امتحانات الدكتوراه في تخصصات الحرية والديمقراطية.. ونحن لم نزل أميين نفك الحروف الأولى في أبجديتها، ونحن لم نزل طوائف وعشائر وبطوناً!
مفارقات المشهد إياه تزجج عيون الكثير من السوريين وتخرس ألسنتهم وتدخلهم في الخوف أو تدخله فيهم، فالشعوب تزحف على عقولها ووعيها.. وافتحوا مدارسكم إنا نحن التلاميذ وهاتوا أساتذتكم.. إن كنتم صادقين؟؟