لا أقول المقاعد، لأنها لم تكن مقاعد، بل بقايا من خشب كله نتوءات وعقد، وصاحب الحظ السعيد من يجد طرفاً سليماً من خشبة يتكيء عليه، وعلى اللوح الخشبي المحفور بزواريب ناعمة، كانت حكمة دائمة يحرص عليها المعلمون: الوقت...
نرددها أولاً، ومن ثم نمضي إلى الدراسة، في الطريق إلى البيت ثمة عيون ترقبنا إن كان التلكوء سيد الموقف، هناك من يرعى وقتك، يريدك أن تكون قابضاً عليه، لا أن يقطعك، ليس الأمر مقارنة أبداً، بل بكاء على ما كان، نعم بكاء أسود على حال تغير على نحو لا يمكن القول إنه رديء، فالرداءة أقل ما يمكن أن يعبر عما نحن فيه من هدر للوقت، للزمن، للحياة للفعل، ملوثات اليوم ومضيعاته صارت أكثر من أن تحصى.
ما يقودنا إلى هذا الحديث إعلان وزارة التربية موعد بدء العام الدراسي بتقديمه ستة أيام عما كان سابقاً، سمعت الكثير مما قيل بالأمر، مع أو ضد، والحقيقة أن حزناً وقهراً عميقين يدخلان النفس حين تسمع هراء ما بعده هراء، يأتي من بعض من يجب أن يكون حامياً للزمن، هذا يستهجن وذلك يتمتم: لماذا هكذا..؟
غريب أمر هؤلاء، لماذا لا نسمع منهم كلمة حول الزمن المهدور، كيف يعمل الكثيرون على تعطيل طاقات الحياة، لا أعرف مكاناً في العالم لديه هدر الزمن يدعو للفرح كما نحن، الأطفال حين يعودون من مدارسهم قبل أيام عطلة ما، يتهامسون: المعلمة قالت: (بكرة مراجعة وتسميع لمن سوف يداوم)، المعلمة قالت: (بكرة ما عنا شيء)... الآنسة قالت.. المعلم قال.. تمتد العطلة بدل اليوم أياماً، وبدل الأيام أسبوعاً..
قبل العطلة، نعطل يوماً أو يومين، وبعدها يومين، وما بينهما استعداد للعطل، بحساب بسيط نجد أن أيام العطل أكثر من أيام الدوام، وغير ذلك كثير كثير، ليس في المدارس وحدها إنما مؤسسات الدولة والدوائر الرسيمية وغيرها، مجموع أعيادنا وعطلنا الرسمية وحدها كافية لاستراحة شعب كان يقاتل من ألف عام، صحيح أننا نتوق لاستراحة ما، ولكن ماذا عن الطاقات المهدورة؟ هل نعمل على قاعدة أننا سواء أتينا العمل أم لا، فنحن سنأخذ رواتبنا، سيكون إنتاجنا وفيراً؟
أليس من الضرورة بمكان أن نعمل على زيادة وتيرة العمل، والحفاظ على الزمن، استثماره؟ ترى هل تتفضل حكومتنا بموسم الأعياد القادمة وتقول: يجب التقيد بالعطل الرسمية تماماً، وألا تزيد عليها، اللهم إلا إذا كانت ترى أن دوامنا وعدمه سواء، ولا أعتقد ذلك، لنكن أبناء الفعل لا العطالة.