فقط في البحث عن حياة أخرى على الكواكب نشترك معها في فضاء الوجود، بل بخفض الرأس أيضاً للسيطرة على كل ما في الأرض للاستفادة مما تزخر به من ثروات يمكنها أن تحقق الفائدة للإنسان.
أما علوم الطب فقد تطورت كثيراً بما يخدم صحة الإنسان في قهر الأمراض، والسعي الى إطالة الأعمار.. لكن تلك العلوم لا تكتمل نتائجها إلا من خلال التجربة، والتطبيق، ولو كانت تجاربها هذه ستتجاوز فئران الاختبار لتصل الى الأجساد البشرية لتكون بالتالي حقلاً لها. إلا أن الخطورة الحقيقية لا تكمن في هذا بقدر ما هي في التجارب غير الأخلاقية التي تُجرى على البشر، والتي تتعاظم في الألفية الثالثة بفضل تطور علم الجينات، والهندسة الوراثية، تلك التجارب التي لا تستطيع التنبؤ بمخاطر قد تطرأ على المدى البعيد، وبما يتجاوز عقوداً، أو ربما قروناً من الزمن. وليغدو إنسان التجربة عاجزاً عن أن ينقذ نفسه مما ورط نفسه به.
وها هي أيضاً البذور المحسنة وراثياً، أو بتعبير آخر المعدلة جينياً، تعلن عن قدومها عما قريب إلى غذائنا اليومي لأن ميزاتها الفائقة تتجاوز في فائدتها، وفي مراحل زراعتها البذرة الأولى التي هي الأصل. والآراء تنقسم بين معارض يدعو إلى استخدام المحاصيل العضوية التي تعتمد على المواد الطبيعية في إنتاجها، وتضمن السلامة الغذائية لمستهلكيها، إلى جانب سلامة البيئة والحفاظ عليها دون تلوث أو استنزاف.. وبين مؤيد لاستخدام ما تدخلت العلوم في تطويره، إذ لا دليل حتى الآن على مضار استخدامها، ودون أن يؤخذ في الحسبان ما قد يأتي من نتائج، أو كوارث غير متوقعة تلقي بظلالها على المستهلك، وعلى البيئة بآن معاً سواء في المستقبل القريب ربما، أم البعيد.
هذه القضية تعود من جديد إلى الواجهة، والصحف، ووسائل الإعلام العالمية تهتم بأخبارها لأن حكومات الدول جميعاً ستضطر قريباً إلى أن تتخذ قرارها النهائي، والحاسم حيال الاستهلاك الآدمي لشعوبها لغذاء قد عُدل مسبقاً، فإما أن تسمح بذلك لجميع السلع الغذائية ما دامت الزراعات تعد بمحصول وفير يستطيع أن يحل مشكلة الغذاء، أو أن تمنعها جميعاً بحجة عدم توقع تأثير تلك المحاصيل على صحة الناس على المدى غير المنظور.
والأمر أيضاً لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى سياسات السيطرة، والاستلاب لأن الغذاء المحسن يضمن احتكار الشركات الكبرى المنتجة له بالقدر الذي يضمن لها فيه تحكمها في مقدرات الدول مقابل غذائها.
وكذلك هو الحال فيما أصبح عليه حال الناس مع الأجهزة الحديثة التي ترد اليهم، وهم إما أن يحسنوا استخدامها ليستفيدوا بأكبر قدر من إمكاناتها، أو أنهم قد لا يحسنون ذلك تبعاً للمستوى التعليمي، والثقافي.. والمهم أن الجميع قد وقع في أسرها، ولم يعد أحد يقدر على الاستغناء عنها.
فما لنا لا نلقي بالاً لمصائرنا التي باتت معلقة على نوافذ العلم الحديث، وما يأتي به من كشوفات في مساره المتصاعد حتى ولو انحرف عن المُثل، والفلسفات، والأخلاقيات التي يمكن لها أن تضبطه، وتحدد ذلك المسار بضوابط الأخلاق، وحقوق الإنسان وقد تعددت فجواتها، وثغراتها؟!.. والذكاء الصناعي هذا الذي تتنامى معدلاته، وقدراته الداعمة وهو يعدنا بما هو أكثر.. بل إن ما لا يخطر على البال قد أصبح غير بعيد المنال، إذ دون قيل وقال بمقدور الآلة الذكية أن تتلقى الأوامر مباشرة من الدماغ بمجرد التفكير في الأمر ليتم تنفيذه في الحال.
فهل بعد كل هذا يوجد شك في أن عبودية جديدة للإنسان المعاصر باتت تدخله إلى دائرتها طوعاً منه لا كرهاً؟.. وما عاد يهم لو أصبح الإنسان فأر اختبار لأن للعبودية ألف حيلة، وألف باب.