| تعدد المصادر على الملأ سؤال يحمل كثيراً من التناقضات، بداية من طرحه أصلاً كتساؤل يعكس شكلاً من أشكال القصور النظري،وصولاً الى عمق مضامينه التي تختزل كثيراً من التناقضات. في المحاولة للاجابة المبكرة والسريعة يسارع الكثير الى الجزم بأن هذه السياسة تمثل استباقاً لاحتمالات الكساد أو الركود، التي قد تواجه أحد اشكال النشاطات الاقتصادية، وما يمكن أن تتعرض له من هزات قد تودي الى خسائر فادحة، كما حصل بنشاطات الرهن العقاري، والاستدانات العقارية والمضاربة بها التي أودت بمصير العديد من المؤسسات المالية العملاقة والعريقة إذ وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع الافلاس النهاية الاخطر بالنسبة لأي مؤسسة اقتصادية. فكانت الازمة المالية، وهي لم تقتصر على المؤسسات المالية والتمويلية لكنها تجاوزتها الى شركات الانتاج الكبرى متسببة أفدح أزمة اقتصادية شهدتها المجتمعات الرأسمالية بداية لتمتد الى أصقاع الأرض كلها وإن كانت بمعدلات ونسب متباينة. ولعل دولاً ذات اقتصادات محددة سعت لتعددها نجحت الى حين في تحقيق معدلات ربحية عالية كانت سبباً في الوصول الى معدلات نمو عالية، وكانت الدول النفطية سباقة في هذا الميدان، إذ توسعت في الأنشطة السياحية ومارافقها من توسع عقاري وخدمي، حتى وصلت أسعار الأبنية والعقارات حدوداً غير مسبوقة وانعكس الامر على المستوى المعيشي في تلك البلدان، التي سادت فيها مفاهيم وثقافة الاستهلاك بسرعة لافتة، لكنها واجهت خسائر كبيرة جراء الازمة المالية والاقتصادية الراهنة تمثلت بعشرات المليارات نظراً لتوقف تلك المشروعات وهذا ما بدا واضحاً في العديد من دول الخليج العربية، إذ توقفت المشاريع الانشائية واضطر عشرات الآلاف من العمال الوافدين لمغادرة أماكن عملهم في تلك البلدان ساحبين معهم تلك الخسائر الى بلدانهم الاصلية. ويعتقد بعض المحللين أن هذه الخسائر ما كان يمكن لها، أن تكون بهذا الحجم المرشح للزيادة، لو اكتفت تلك البلدان بالتركيز على مصادر دخلها الاساسية وإن تمثلت بالنفط وحده وما يمكن أن ينشأ على هامشه من صناعات تحويلية... وبالمقابل فإن تعدد مصادر الدخل يمكن أن يقي من الهزات والانتكاسات المحتملة شريطة أن تكون البلدان متعددة مصادر الدخل أصلاً، بمعنى أن يكون لديها أنشطة زراعية وصناعية وخدمية، وما يمكن أن ينشأحولها من أنشطة لاحقة. وتبقى السياسات الاقتصادية والاجتماعية ومايكتنفها من مقدرات محلية خاصة الشرط الاهم في القدرة على تحقيق نمو مستمر، وتفادي احتمالات الازمات الناجمة عن التأثير الخارجي والتبادل السلعي والتعاملات المصرفية والمالية. وباعتقادي أن السبب الجوهري في تفادي سورية لكثير من عقابيل هذه الازمة انما يكمن في امتلاكها للعديد من مصادر الدخل المتوفرة أصلاً. وتبقى الآليات المنفذة كفيلة بالحكم على مدى صوابية تلك السياسات.
|
|