كما كتب فلاديمير إليتش لينين يوما ثمانية مجلدات عما ينبغي للثورة في روسيا أن تفعله , والفارق بين الإثنين أن لينين بحث عملية نقل روسيا القيصرية من ثقافة المحراث الروماني إلى ثقافة الفضاء وخلفه ملايين الروس والسوفييت , فيما صاحبنا , ولا يسير خلفه سوريان اثنان , يبحث , بجهل أو بسوء نية , عن الذهاب بملايين السوريين إلى الجلوس على كومة الخرائب في سورية , ثم ليتساءلوا على طريقته الحصيفة .. الآن ما العمل !
ومع أن الثقافة ليست شهادة أكاديمية ممهورة ومختومة من قبل مؤسسة أو هيئة , والمثقف الحقيقي الجاد لا يسمي نفسه مثقفا .. فهذه مهمة الناس ورأيهم هم فيه لا رأيه بنفسه , ومع أن أدبيات الفكر السياسي وتجاربه وتوصيفاته لا تعرف ولم تنتج شيئا اسمه « معارض مستقل « اللهم إلا إذا كان يراد به معنى « المنشق « على طريقة السوفييتي الشهير زاخاروف الذي نال « نوبل» لقاء الخيانة لا لقاء الانشقاق , ولفظته روسيا السوفيتية وروسيا الجديدة على السواء فيما بعد , فإنني بدوري أتساءل أيضا عن معنى الاستقلال هنا ؟ معارض سياسي أجل .. ولكن , مستقل كيف ؟ مستقل عن ماذا وعن من ؟
هذا مجرد أنموذج لما يعانيه السوريون اليوم من الإعماء السياسي والتجهيل الثقافي والتهديم المعرفي , فضلا عما يعانونه من الدم والخراب والموت , تماما كتلك الجهة الألمانية التي أعلنت قبل يومين أو ثلاثة أن فصيلاً سورياً معارضاً خضع لدورة تدريبية في أصول الديمقراطية وممارساتها لمدة ستة أشهر بمنحة ألمانية واجتاز أعضاء الفصيل الامتحان بنجاح , كما لو أن الديمقراطية مجرد بضع حركات تشغل خطا لانتاج الكونسروة أو تغليف القمرين الدمشقي .. وتماما , كتلك الكتب الصغيرة بحجم الجيب التي نثرها باعة البسطة لعقود من السنين على أرصفة شوارعنا وزوايانا الخلفية وعنوانها الرئيس « تعلم الانجليزية في خمسة أيام « ودون أن يتعلم سوري واحد الانجليزية منها !
واليوم هاهو فيض من المصطلحات والتسميات والتوصيفات الخلبية تتغلغل في وعينا وحراكنا السياسي وتتحول به إلى مشاهد وحراك مسرحي من نوع خيال الظل .. ما إن تبدأ حتى تنقضي تاركة خلف كل منها بقعة دم , إذ كيف يستوي لأغلبية المعارضين أن يكون أحدهم سلميا والآخر مسلحا فيما الثالث وطنيا والرابع غير وطني , أما الخامس فهو خارجي والسادس داخلي , ثم يأتيك السابع على أنه مستقل فيما الثامن ملتصق أو مرتهن .. وهكذا دواليك , حتى ليظن المواطن السوري أنه أمام بسطة رصيف في « سوق الحرامية « عليها كل ما خاب ولاب !!
وإذا ما جاز طرح السؤال إياه .. الآن ما العمل على أهميته القصوى؟ فإن من الأجدى ألا تكون سورية الغد هي موضوع السؤال والإجابة , بل أن تكون كل هذه الفوضى هي الموضوع , وهي المآل في أن يدير السوريون غربال التفكير والمحاكمة العقلية لها , ويتحولوا بمعظمها إلى كومة قش تذروها الريح من تحت ثقوب الغربال !!