والأمر ينسحب على الإرهابيين كما هو مع مشغليهم، والأخطر مع مموليهم والمراهنين عليهم في السياسة والميدان معاً.
وتأخذ البعض منهم أوهامه الجديدة لتكون على مقاس التمنيات أكثر مما هي تعبير عن واقع الإمكانيات، وتحديداً ما يتعلق بالخيارات أو البدائل المتاحة، وفي جزء منها تبدو أقرب إلى ترجمة حرفية للنص القادم ببريد أميركي عاجل عبّرت عنه على الأقل لغة التصعيد الأميركي، وتحديداً عندما طالبت روسيا بوقف ضرباتها الجوية تحت حجج باتت تعبّر عن مشهد دعاية واضح في الدفاع عن الإرهابيين أنفسهم، ولا تتردد في تبنّي الخطاب ذاته مع إضافات بسيطة تقتضيها حالة الدولة الكبرى!!
لن ندخل في جدل مع محاججة أميركية تسود فيها لغة المتاجرة الرخيصة والترويج لبضاعة كاسدة، لكن يبدو من المثير أن تكون مشابهة لما نطق به السعودي وما يتفوّه به التركي، ومطابقة في بعض مفرداتها لما قاله الإرهابيون، بمن فيهم النصرة المدرجة على لوائح الإرهاب الأميركي، حيث العادة جرت أن يأخذ الإقليمي من الدولي والتابع من السيد، والدولة الصغرى من الكبرى، واقتضى العرف في أقصى حالاته أن يقبل الأميركي ذلك على مضض، وأن يوجه أو يطلب من وكيله تعديلاً هنا وأن يترك له الفصل في القضايا الكبرى، وأن يكون مثلاً قرار الحرب أو التلويح به من اختصاصه، ولا شأن للوكلاء دولاً كانوا أم تنظيمات في ذلك وما عليهم إلا التنفيذ إذا كان لهم دور.
ما يجري اليوم معكوس، فالأميركي يستعير من الإرهابي ويستدل من السعودي وينطق في كثير من الأحيان ما يريده التركي أو يتمناه، حتى بتنا نفتقد خطاباً أميركياً حقيقياً يعبّر عن الدولة العظمى التي انفردت في قيادة العالم لعقدين ونيف من الزمن، ونبحث عبثاً في تفاصيل وجزئيات المواقف عن نتف تعكس حالة ذلك الوجود والموقع والدور، وبات العالم مصدوماً بحالة التطابق بين ما يقدمه الأميركي من مقاربات وتفسيرات وأحياناً من توضيحات وبين ما يذهب إليه رعاة الإرهاب وممولوه والمراهنون عليه.
سمعنا خطاباً أميركياً يتبعه الفرنسي وينطق به البريطاني، ويردده وكلاء الحرب الأميركية، وكانت حالة مفهومة بحكم ما تمثله أميركا في المشهد العالمي، وكنا نأخذ على أوروبا عامة حالة الانكفاء والتراجع والقبول بالبقاء في الظل الأميركي وفي أحيان كثيرة في زواياه المنسية، لكن أن نجد أميركا تكرر في تبريراتها ما يبرر به الإرهابي وما يدفع إليه السعودي، فهذا سابقة، لها ما لها وعليها أكثر بكثير مما يطفو على السطح، من تبريرات قاصرة عن أن الأميركي هو الأصل والسعودي والإرهابي مع التركي مجرد توابع منتظمة في الفلك الأميركي.
فإذا كان مسلماً به أن نسمع العويل والصراخ والاستغاثة من الإرهابي وأن يتردد صداه في الرياض والدوحة وأنقرة وأن تصل ارتداداته إلى باريس ولندن وغيرهما، كان صادماً للعالم أن يكون الحال ذاته في واشنطن، وأن تبدي الإدارة الأميركية كل هذا الخوف والهلع على هزيمة إرهابيين يعلنون انتماءهم لجبهة النصرة، وآخرين يقرّون ويعترفون بتنسيقهم معها ومع داعش والانضواء تحت قيادتها، والأكثر منه أن تجاهر أميركا بهذا الخوف وذلك الهلع، وأن تلبسه شعارات كاذبة ومضللة وأن تعطيه أبعاداً منافقة.
لا يحتاج الأمر إلى مقارنة ولا إلى مراجعة أو تدقيق في تفاصيله فالعناوين الأميركية واضحة صريحة وهزيمة أدواتها بعد فشل مرتزقتهم وإرهابييهم تدفع إلى حسم كل المقارنات، وربما تستطيع أن توضح جانباً من حالة التصعيد والتسخين والتلويح بالخيارات تحت الراية الأميركية أو من دونها، بما فيها جحافل البحرين القادمة لنصرة السعودية، حتى لو عادت إلى نفيها لاحقاً!!
أميركا التي باعت طوال الوقت الإرهاب المصنوع خليجياً والمحتضن تركياً، واشترت على حسابه أزمات ونقاط صراع ومشاكل متفجرة على امتداد المنطقة، تعود اليوم إلى بيع ما اشترته وربما شراء ما باعته، لكن البضاعة الكاسدة ليست كتلك الرائجة، وبضاعة أميركا الوحيدة هي رعاية الإرهاب، وعندما تكسد تصيب مفاصل إدارتها بالتوعك السياسي والإنهاك الدبلوماسي، وهو ما يمكن أن نلمسه في دبلوماسية كيري، وسياسة إدارته، حيث التباكي على الإرهابيين جزء من لعبة أميركا لترويج ما كسد من تجارته بعدما نفق سوق أدوات الإرهاب التي باتت عبئاً عليه.
a.ka667@yahoo.com