بعد أن حاولت أن تثير ضجيجاً حول التريث السوري في الموافقة على قدومها. بذلك هي اقتربت من التسييس قبل أن تبدأ مهمتها!! كما لو أنها افترضت أو افترض من تمثلهم أن مجرد إبداء الرغبة يعني أن سورية ليست دولة مستقلة لها كل الحق أن تدرس الطلب وتقرأ ذيول المهمة.. ثم توافق أو ترفض.
كلٌ مارس سياسته.. الأمم المتحدة «الأمين العام» بالضغط والإلحاح والاتهام حتى إنه نصب نفسه طرفاً في الأزمة، والحكومة السورية التي أصرت أن الكلمة في النهاية لها، تقبل أو ترفض.
سيحضر الممثلان.. فإن كانا قادمين للبحث عن حلول، نرى أن آفاقاً للحلول موجودة بالتأكيد، وربما تفاجئهم.. وإن كان في النيات ما لم يعلن فستفشل المهمتان..
مبدئياً نرجح النيات الطيبة والتوفيق.. فإن كان ذلك كما نتمنى ونرجو.. نسأل:
- ما مدى مسؤولية الأمين العام والأمم المتحدة عن تبني ما يقرره الزائران..؟!
- أم إن مصير تقرير أي منهما سيكون كمصير تقرير الفريق الدابي رئيس بعثة جامعة الدول العربية..؟!
يومها أيضاً سورية تريثت.. وراسلت.. وسألت.. واستوضحت.. ثم قررت الموافقة.. لكن لم يسأل أحد يومها الأمين العام لجامعة الدول العربية ومن ورائه الجامعة.. ما مدى تبنيهما لتقرير بعثة الجامعة..؟! فتحولوا إلى محاربين مخاصمين لها إلى درجة إعدام التقرير وإقالة الدابي!!
قد يكون اختبار بان كي مون لأنان كوسيط أو مبعوث من قبله للتعامل مع الأزمة السورية، هو الموقف الوحيد الصحيح الذي اتخذه من هذه الأزمة حتى الآن..
أنان.. أمين عام سابق، شخصية مرموقة، يطرح الحوار، ويسعى لخلق فرصة سلام، دون أن يطرح نفسه طرفاً.. ويمكن ملاحظة أن المتدخلين بالمسألة السورية الداعين للتسليح الخارجين عن الحوار المؤمنين بالانتقام وإسقاط النظام أولاً.. لم يعطوا كبير الاهتمام لمهمة أنان.. وهم في نشاطاتهم من تونس إلى إسطنبول ودائماً مروراً بالدوحة، ربما أرادوا خلق حالة تشويش مريبة على مهمة أنان.
ليس من السهل على أي أمين عام في الأمم المتحدة مقاومة الإرادة الأميركية منذ سيطرة القطب الواحد على العالم.. وأنان عاصر هذه المرحلة.. مرحلة السيطرة الأميركية.. قبله كان التوازن الدولي يعطي أي أمين عام فرصة العمل برأيه ورؤيته.. من داغ همر شلد.. إلى أوثانت.. ومروراً بكورت فالدهايم النمساوي الذي حاولت الدعاية الصهيونية تشويه صورته من خلال اتهامه بعلاقة مع النازية الألمانية.. لكن.. التوازن الدولي في حينه حماه.. في حين عانى ديغولار الأمرين من الهيمنة الأميركية.. وانتهى بطرس بطرس غالي بعدم التجديد له لأنه رفض الرضوخ لإرادة إسرائيل بعدم نشر تقرير «قانا».. علماً أن غالي من عرابي كامب ديفيد..
جاء أنان بعده وأخذ ولايتين عن إفريقيا.. طبعاً لم يستطع ثني الولايات المتحدة عما تريده، لكنه على الأقل رفض شهادة الزور.. وفي ظل تزعمه للمنظمة الدولية جرت حرب العراق.. التي مسّت دون شك بهيبته..
بان كي مون أظهر ولاءً أميركياً منقطع النظير إلى حد الإساءة لموقعه وشخصيته.. ولعله باختيار أنان يستنجد بغيره..
المهم الآن أن يعطى أنان كل الفرص لتحقيق مهمته في الخروج سلمياً من الوضع المعقد في سورية التي لها كل المصلحة في ذلك.. فهل لدى الآخرين المصلحة نفسها؟! أعني أولئك الذين يتحدثون عن التسليح، و يعترفون بممثلين للشعب السوري لم يخترهم.. هل سيتيحون لأنان محاولة الوصول إلى حلول تبدأ بالحوار.. وتمر من السياسة إلى السلام..؟!