بالتأكيد إن إدارة أوباما تعي أن ما آلت إليه الأوضاع الميدانية في سورية لا يفسح لها العودة إلى المربع الأول وإن إطلاقها التصريحات واجترارها لمواقف سابقة لا يعني إطلاقاً عودتها إلى الوراء، بل ما يعنيه ذلك أنها دخلت مسار التفاوض بمستجداته وعليها أن ترفع السقف كثيراً لتطرح أعلى المطالب ولتحصل على أقل المكاسب، فالمنتصر في هذه الحرب الكونية ليست الولايات المتحدة وأدواتها، بل سورية الدولة والشعب والجيش العربي السوري والأشقاء والأصدقاء الداعمون لهذه المنظومة التي أفشلت أكبر مشروع أميركي وانتصرت في أعظم مواجهة في العصر الحديث.
عندما يكون التفاوض بين الطرفين المذكورين آنفاً يعني أن هذه الحرب «أي حرب التفاوض» ليست أقل شراسةً من الحرب العسكرية، والمعروف عن المفاوض الأميركي رفع السقوف وتجاوز الخطوط وإغلاق الدوائر بدلاً من فتحها والأهم من ذلك البحث عن نقاط ضعف العدو وإشراك الملفات.
وبالنظر إلى صفات المفاوض الأميركي يمكن استنتاج أسباب عودة هذا المفاوض إلى المربع الأول في مسار إيجاد حل للأزمة في سورية، مضافاً إلى ذلك تسخين الزخم الإعلامي لمحطات التضليل والفبركة والكذب، والتي تشكل أدوات الحرب النفسية على الشعب السوري صاحب الامتياز الذهبي في حبّ الوطن والتضحية في سبيل عزّته واستقلاله وسيادته.
إنَّ ما رشح عن الاجتماع الأخير بين الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف والمبعوث الأميركي الخاص لشؤون سورية مايكل راتني في موسكو هو نقطة في بحر ما تم بحثه، ويفسر ذلك سرعة اجترار الجانب الأميركي لتصريحات تحدث صدمة إعلامية نفسية لكنها تبقى في إطار الوهم وربما لم تكن مدرجة على جدول المباحثات الروسية الأميركية في الأصل.
لا شك أنَّ إدارة أوباما تدرك استحالة العودة الأميركية لنغمة التنحي وما يلازمها، لكنها ربما تقدم لأدواتها عواقب التمسك بهذا الطرح، وبهذا تكون أوجدت المخرج أو صنعت السُلّم الذي سيكون شاهداً لنزولهم عن الشجرة التي خلخلت انتصارات أبطال الجيش العربي السوري الأرض تحتها، الأمر الذي سينقل ضفة التفاوض إلى جهة المنتصرين.
أسابيع أو ربما أيام قليلة وتتوضح خطوط التفاوض الأميركي الذي لا يقتصر فقط على الأزمة في سورية، فحالة الاشتباك السياسي الأميركي الروسي تتوسع جنوباً وغرباً وشرقاً وحرق الأوراق لن يكون من جعبة الفاعلين والمنتصرين على الأرض بل من خرج الخاسرين يوماً بعد آخر.
في سورية لا أحدَ يلتفت إلى ما تقوله أميركا، إلا من وضع بيضه في سلالها، والشعب السوري الذي لم يبخل بتقديم كل التضحيات لن يقبل تحت أي عنوان إلا بحصد الانتصار الكامل على أدوات أميركا الإرهابية وداعميها العرب والإقليميين مهما اعتمد هؤلاء من أساليب تصعيدية إرهابية إجرامية.
قد يفرج الجانب الروسي في الأيام المقبلة عن بعض ما جرى في مباحثات بوغدانوف وراتني، وربما الخطوط الحمر السورية الحاضرة بقوة في هذه المفاوضات هي التي أفقدت المفاوض الأميركي توازنه ما دعا خارجية بلاده إلى إسعافه بتصريحات ربما لم يكن مضمونها على طاولة التفاوض.