هذا الكلام قاله أحد أبطال فيلم سوفييتي, في محاولة منه لقراءة المستقبل, وكانت هذه الجملة قبل (اختراع) الفضائيات التي نتابعها.
الذي حدث نعرفه جميعاً ازدادت سطوة التلفزيون أكثر فأكثر مع دخول عصر البث الفضائي, لكن الذي حدث أيضاً, أن أياً من الفنون الأخرى لم يندثر, قديمها وحديثها, فقد أثبتت الفنون أنها مثل الاكتشافات الإنسانية كلها, تعيش إلى جانب بعضها بعضاً, يأخذ كل واحد من الآخر ما يحتاج إليه كي يعيش ويستمر في الوجود. بمعنى آخر, الإلغاء هو حالة إنسانية بامتياز لا علاقة للقوانين الطبيعية فيها, ووسائل الاتصال القديمة وصولاً إلى الانترنت متجاورة مع بعضها دون حروب الإلغاء التي يشعلها البشر حين يغلبون مشاعرهم على الواقع, يحدث مثل هذا التغليب أيضاً على مستوى الأفراد حين يقيمون أفراداً آخرين.
تغمرني السعادة حين أسمع عن مهرجان للمسرح مثلاً حيث لا كاميرات أو ميكرفونات, أو أي تأطير للصوت والصورة, بل فضاء رحب للأشخاص والأفكار, التي لا تستطيع الشاشة, أي شاشة, أن تستوعبها.
ربما هذه المفارقة هي ما تعطي الفنون أهمية حضورها المستقل كل عن الآخر, فيبقى للمسرح وهجه وكذلك للاذاعة أو السينما وحتى الكتاب أيضاً. الذي يحدث أن التلفزيون يحاول جاهداً إلغاء الآخرين أفراداً وفنوناً, معلناً بسبب حضوره الطاغي, ليس أنه الوحيد الموجود فقط, بل إنه المستقبل أيضاً.
لكن تقنية التلفزيون (لا تستطيع أن تفعل ذلك وحدها, بل هي وسيلة لنا نحن, أي أننا نحن من نلغي الآخر والتلفزيون بكل سطوته, ليس إلا سطوتنا نحن البشر.
كنت وما أزال أرى الفن اقتراحاً فكرياً وبصرياً قابلاً للجدل حوله, فهناك من هو مع ومن هو ضد.
المشكلة أن القائمين على إدارة التلفزيونات يعتقدون أنهم وحدهم المروجون في الفضاء, وأن الفضاء كله لهم وحدهم, وهذا يعيدني إلى بطل ذاك الفيلم الذي مضى على نبوءته نحو نصف قرن ولم تتحقق النبوءة. وأجزم أنها لن تتحقق لأنها ببساطة ضد طبيعة الإنسان, لذلك سيبقى التلفزيون اقتراحاً فكرياً وبصرياً, وإلى جواره مجموعة أخرى من الاقتراحات والفيصل في هذا وذاك: الإنسان وحده.