ووجه الشبه وفق تلك القراءات يكمن في الواقع السياسي الذي أفضت إليه ممارسات إدارة الرئيس بوش على المستويات المختلفة بحكم الارتهان في أغلب الأحيان لعمليات الغش والتدليس والتضليل, بدل الاحتكام لمصالح الشعب الأميركي, والذي ينسحب حسب الصحافة الأميركية على كافة مستويات المسؤولية.
ولاتتردد في اعتباره مؤشراً شديد الخطورة على مستقبل الحزب الجمهوري, التي دفعت ببعض أعضائه إلى انتقاد علني لسياسة بوش وإدارته, وهو ما اعتبر سابقة لم تتكرر كثيراً في التاريخ الأميركي على أن الأخطر هو ما يترتب على ذلك من إقرار واضح بعبثية اللغة والحجة التي تعتمدهما الإدارة الأميركية في التعاطي مع المسائل الحساسة المرتبطة بمصير الحزب, وبالتالي النظر إلى أبعد من المصالح الضيقة لفريق محدود داخل الحزب, سيكون لاستمرار الارتهان له ثمن غال يصعب على الحزب تحمله.
من هنا كانت الأصوات العالية التي تعقب كل فضيحة لعضو من الحزب الجمهوري, تعبيرا عن صرخة خوف من التداعيات السلبية لموقعه في الحياة السياسية الأميركية بغض النظر عن موقع هذه الفضيحة أو شكلها, وهو مايتضح من الحملة المنظمة التي بدأها أعضاء من الحزب الجمهوري لاستباق التداعيات بشرح مسهب عن الخلفيات التي تقف وراء كل فضيحة.
غير أن هذا الأسلوب, على حد تعبير الكثير من وسائل الإعلام الأميركية, لن يكون مجدياً أمام سلسلة من الهزائم المعنوية والأخلاقية التي تطول النظرة إلى الكونغرس عموماً, وإن كان هناك اتجاه واضح للتفريق المحدود بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ويعود ذلك حسب محللين أميركيين إلى أن الموافقة على الحرب الأميركية في العراق مازالت تمثل بنظر الأميركيين صفقة بين الديمقراطيين والجمهوريين لمصلحة أشخاص على حساب الشعب الأميركي أكثر مما هي انعكاس للمصالح العليا لأميركا.
وتحت هذا الشعار يجد الكثير من المتابعين أن الأزمة الحالية تعني إعادة النظر بالكثير من المسلمات التي اعتمدها الأميركيون للسير وراء الإدارة الحالية في تلك الحرب التي باتت تعبر عن مأزق سياسي في الداخل الأميركي يفوق المأزق الذي يواجهه الاحتلال في العراق, وبالتالي فالأولوية التي تتحرك وفقها الأجندة الحالية تتعلق بالبحث عن مخرج يخفف من التداعيات المرتبطة بالسلوك الشخصي للكثير من أعضاء الكونغرس .
وثمة أصوات لا تتردد في القول: إن هذه الحرب كانت لمصلحة أجندة لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بالأمن القومي الأميركي, وإنما هي في جوهرها ترجمة لإملاءات تتعلق بمصالح إسرائيلية بحتة, أو هي في أفضل الحالات نقطة تقاطع بين تلك المصالح ومصالح الاحتكارات الأميركية, والتي لم تجد أي حرج في استخدام الكذب لتمريرها.
وهنا تأخذ المعضلة بعدا مزدوجا يتمثل في الخشية من أن تكون تلك الأجندة الموضوعة أبعد من مجرد استجابة للتقاطع الحاصل ذاك بمعنى أنها تتجاوز مسألة الحسابات في المصالح لتصل حدود الممارسة القائمة برمتها على أسلوب الكذب والتضليل, بما في ذلك شعارات تدفع أميركا ثمنها من دم أبنائها وحياتهم..!
لذلك لم تكن فضائح الفساد وتداعياتها حكرا على الأبعاد الأخلاقية المرتبطة بها, بل أيضا شكلا من أشكال التعبير عن المخاوف من أن تكون تضحيات الجنود الأميركيين وأموال الشعب الأميركي في النهاية من أجل حفنة من المصالح الضيقة للاحتكارات من جهة ولأجل أمجاد شخصية لزمرة من الفاسدين أنتجوا سياسة متورمة.