ولو قدر لها أن تندثر كما اندثرت لغات أخرى, ربما كان وضعنا الآن مختلفاً, وربما كان تراثنا الثقافي والمعرفي بين أيدي علماء اللغات القديمة فقط.
ومن أسباب بقاء اللغة قوية متماسكة نهوض رجال آمنوا بأهميتها في توحيد الأمة ووقفوا أنفسهم في سبيلها حتى أصبحت لغة عالمية زهاء ستة قرون من الزمن, وهي الآن تصلح لهذا الزمان كما صلحت لزمن مضى.
وما أحوجنا اليوم إلى نهضة لغوية جديدة تستعيد مكانتها كعامل موحد بين أبناء الأمة, في وقت تظهر فيه دلالات وإشارات إلى محاولة تغليب اللغة المحكية المحلية على اللغة الفصحى في الفضائيات العربية التي تعد بالعشرات.
إن متابعة بسيطة للفضائيات يشعرنا بما هو قادم من تهديد للغتنا الفصحى, حيث لم تعد العامية حصراً بالأْعمال الدرامية بل تعدتها إلى البرامج والتقديم وطالت حتى البرامج الثقافية وتغرق المذيعات الجميلات في العامية إلى درجة عدم اتقان لفظ الحروف العربية بطريقة سليمة, فيحولن القاف كافاً, والذال زاياً والثاء سيناً.
إن هذا الوضع يتطلب تدخلاً من اتحاد الإذاعات العربية لاتخاذ إجراءات وتوجيهات تحد من الإغراق بالعامية أو التعدي على الحروف العربية.
ونحن هنا لا نطلب من مذيعاتنا ومذيعينا الأكارم استخدام الألفاظ الوحشية الغريبة أو التقعر في اللغة, وإنما أن يتحدثوا بلغة مبسيطة يفهمها الجميع, وتبقي على الحد الأدنى من اللغة العربية السليمة.
وليس صعباً العثور على مفردات تعتبر قاسماً مشتركاً بين الفصحى واللهجة المحلية, ولا يحتاج الأمر إلا إلى القليل من الاهتمام.