والرافضة للحوار بكل أشكاله من جانب آخر، بهذا التسارع تمضي الاستعدادات والتجهيزات الضرورية للشروع في حوار يفضي إلى عقد مؤتمر وطني للحوار، ولكن من منطلقات، ودوافع تختلف وتتباين من جانب كلا الطرفين.
الحكومة من طرفها تتابع ما بنت عليه مواقفها منذ بدء الأزمة، وهي تتابع الخطوات التنفيذية برؤية أكثر وضوحاً بعد تحديد المسار الإصلاحي المتكامل من خلال الصورة التي رسمها السيد الرئيس في خطابه الأخير، بحيث تحولت مكاتب الحكومة إلى خلية نشاط لا يهدأ لتحويل تلك الأفكار إلى واقع عملي وملموس، وهي قد نجحت إلى حد بعيد في إعداد الأرضية المعقولة لإشراك كل فئات الشعب وكتله المختلفة واتجاهاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية في حوار لا يستثني أحداً، ويفضي إلى مشاركة كاملة لكل القوى السياسية والاجتماعية، وهو تصور أساسي من جانب الحكومة لم يتغير منذ بدء الاحتجاجات وما رافقها من تطورات كشفت عن خلفياتها ودوافعها والجهات التي تقف وراءها وتحركها وتمولها وتسلحها، إذ بقيت الحكومة ترى أن الحوار وحده يبقى الأسلوب الأسلم والطريق الوحيد للخروج من الأزمة بالنسبة لكل أبناء الوطن المؤمنين بوحدة سورية كوحدة سياسية كاملة السيادة وغير خاضعة لأي شكل من أشكال السيطرة المباشرة أو غير المباشرة، وتتكامل فيها أدوار جميع أبنائها في جميع قطاعات الدولة.
أما المعارضة بشخصياتها المختلفة فقد بدأت تحركها نحو حوار منتظر بعد إطلاق أحمد معاذ الخطيب رئيس ائتلاف الدوحة تصريحاته القابلة للدخول في حوار مع الحكومة وممثليها بشروط لا تحمل اشتراطات حقيقة، لكن تصريحاته حملت مفاجآت غير منتظرة من دعاة التسلح ورفض الحوار، فيما الوقائع والتطورات والمتغيرات السياسية على المستوى الإقليمي والدولي كانت تؤكد فكرة الرضوخ للرؤية السورية في اعتماد الحوار أسلوباً لمشاركة سياسية كانت هدفاً لكل التحركات والاحتجاجات وكل عمليات التخريب والقتل وكل عمليات الإرهاب الدولي المتكالبة على سورية من أكثر من دولة إقليمية وعالمية.
جانب مهم وكبير من المعارضة يقبل الحوار أسلوباً أساسياً مستمراً، لكن حملة السلاح ومؤيديهم وداعميهم المؤثرين والفاعلين في دائرة العنف والقتل والإرهاب كانوا وحدهم الرافضين لكل دعوات الحوار نزولاً عند دعوات أصحاب المخطط التآمري الذين كانوا يظنون أنهم قادرون على إسقاط سورية عبر دعواتهم لإسقاط النظام في محاولة لزرع بذور فتنة وتفريق ما بين السلطة والشعب، والفصل بينهما، زيادة في تأجيج الفرقة المستهدفة.
الواضح أن موافقة الدخول في الحوار جاءت بعد تغيرات سياسية في قيادات الدول والقوى المؤثرة في العالم- توقعناها منذ أكثر من عام وقلنا إن التغيير سيحدث فيها- وأن تلك التغييرات هي ما دفع لتشكيل ائتلاف الدوحة أصلاً وإسقاط فاعلية مجلس استنبول رغم كل عمليات التحريض التي واجهت الفشل من جانبي النزاع، في ظل فهم ووعي ومعرفة بدوافع العدوان من جانب الشعب بكل فئاته.
الحوار سيمضي بنجاح. فيما يتطلب الأمر استعادة وعي وفهم للواقع وكل التطورات المحتملة، والتي تؤكد استحالة تخريب بنيتها الأساسية، ونموذجها الأفرد في العالم، وقادم الأيام سيضيف جديداً مؤكداً صحة ودقة الرؤية الوطنية قبل الأزمة وخلالها، وسيستمر بعدها.