صخب يطرح سؤالاً عن أسباب هذه الهستيرية في السلوك المتفلت في كثير من الأحيان من الضوابط والقواعد.
ففي الميدان عاد الإرهابيون إلى جرائم السيارات المفخخة كما فعلوا في حمص، جرائم ترافقت مع المجزرة التي ارتكبت في قلب لوزة ضد السوريين هناك، ثم جرائم القصف العشوائي لحلب وارتكاب المجازر مع إطلالة شهر رمضان، ولم ينس الإرهابيون ميدان إجرامهم القريب من دمشق فارتكبوا الجرائم التي تؤكد طبيعة العمل الإرهابي للجماعات المسلحة كونه «قتلاً وحشياً» لا علاقة له بالقتال، قتل عشوائي لترويع الناس.
أما على صعيد الحرب النفسية فقد اندفعت شرائح العدوان وإعلامه لأطلاق رزمة من الأكاذيب ونسبتها إلى مسؤولين إقليميين ودوليين دون أن ينتبه هؤلاء المجرمون انه في العلاقات الدولية لا يمكن أن يقبل مسؤول محترم مهما كانت العلاقة به، لا يمكن أن يقبل الكذب عنه وعليه وانه سيكون مضطرا عند اقتراف الكذب بحقه للتكذيب والإيضاح وهذا تماما ما حصل مع مصر وروسيا في اقل من يومين.
لقد كان الإعلام السعودي بلباسه اللبناني مزورا ووقحا، عندما نسب لمسؤولين روس موقفا «انقلابيا» من سورية يشير إلى تغيير سياستهم فيها ويجعلهم أقرب لمواقف قيادة العدوان عليها التي تقوم على الإطاحة بالقرار المستقل للشعب السوري وتجاوز السيادة الوطنية السورية وفرض حكام على سورية يستجيبون لإملاءات الخارج ويشكلون دمى تحركها الأيدي الأجنبية كما هو حال ما يسمى «المعارضة السورية في الخارج « التي عملت وتعمل تحت تسميات شتى دون أن يكون لها أي تأثير في الداخل السوري.
لكن لم تمر الكذبة و لم تخدم أصحابها طويلا ، فبوضوح كلي اكد بوتين رئيس الدولة الروسية بأن الموقف الروسي من سورية ثابت لم و لن يتغير ، لأنه موقف نابع من قواعد القانون الدولي و الشرعية و ثوابت العلاقات الدولية التي تتقاطع كلها لتؤكد على حق الشعب السوري في اختيار حكامه ، و أن الإرهاب لا يمكن أن يقبل به كجسرا لفرض الإرادة الأجنبية على هذا الشعب ...نطق بوتين بالموقف الروسي الصحيح الذي يحفظ لروسيا صدقيتها و مصالحها فانهار هيكل التزييف و الكذب ضد سورية و رئيسها و حكومتها ، و ظهر أن وعود سلمان و ابنه بدفع مليارات الدولارات لم تؤثر في ذاك الموقف الروسي الاستراتيجي.
لم تكتف غرفة عمليات التزوير بما فعلت مع روسيا، فطالت نشاطاتها حديث الرئيس المصري السيسي، فنسبت إليه كلاما يهدف إلى إشاعة البلبلة وتثبيط العزائم في الحرب الدفاعية التي تخوضها سورية ومحور المقاومة، وتوحي بأن هذه الحرب بات ميؤوسا منها وان على لبنان وغيره أن يستعد للمتغيرات. وسرعان ما تبين أن القول كان كذبا موصوفا ما اضطر رئيس الحكومة اللبنانية وبطلب من مصر أن يكذب رسميا اعلام تيار المستقبل السعودي رغم انه محسوب عليه.
رغم أن ما حصل لا يعتبر جديدا إذ ليست المرة الأولى التي يكذب فيها الإعلام السعودي خاصة والعدواني عامة لكن وقاحته هذه المرة معطوفة على جرائم الإرهاب تطرح السؤال عن سبب هذه الهيستيرية والفجور التي طبعت سلوك المعتدين بهذا الشكل. وفي البحث عن ذلك لا نجد سببا إلا شعور أولئك بحجم الخسارة وضيق الوقت للتعويض بعد النجاحات التي حققتها سورية ومحورها في الميدان والسياسة.
ففي القلمون كان النجاح الميداني الباهر لسورية وحلفها المقاوم، نجاح من طبيعة استراتيجية مهمة نجاح أدى إلى اقتلاع خطر الإرهاب من المنطقة وحماية دمشق وتعطيل ورقة لبنان ضد سورية ومنع تشكل أي قاعدة فاعلة لخدمة مشاريع وخطط العدوان ما أدى إلى فشل خطة العدوان الرابعة التي عول عليها الكثير «خطة فكي الكماشة حيث كسرت في الشمال والجنوب:
وفي الشمال تم احتواء الوضع في إدلب – جسر الشغور، وقطعت الطريق على الإرهابيين الذين خططوا للاندفاع نحو حماة والوصول إلى حمص ثم الضغط على الساحل السوري للمس بثلاثة من خمسة مرتكزات استراتيجية للدولة، فتمكنت سورية من احتواء الأمر وحماية المراكز الاستراتيجية الثلاثة من حمص إلى الساحل وضاعت فرص عمل عليها الإرهاب كثيرا.
وفي الجنوب فشلت الخطة التي كانت ترتكز على إقامة الحزام الأمني في الجولان، فكانت بطولات الشعب مع الجيش العربي السوري في مطار الثعلة وفي محيط السويداء ثم أخيرا في حضر، كافية لتقول للمخطط المعتدي فشلت وخسئت.
وفي الشرق لا ننسى ما حل بداعش على الجبهة في محيط الحسكة وريف الرقة.
كل ذلك رسم في سورية صورتين: ميدانية سياسية تؤكد صلابة الدفاعات السورية والقوة في الاحتفاظ بكل ما له علاقة بالدولة وجودا وفعالية في مقابل إخفاقات العدوان وانكساره، وصورة إعلامية نفسية يرسمها إجرام وإعلام معاد مضلل يريد أن يغطي على الصورة الأولى بمجازر ترتكب وإشاعات تختلق من اجل المس بالروح المعنوية وحرمان السوري ومحور المقاومة من استثمار النجاحات التي تحققت في الميدان والسياسة على حد سواء.
وغاب عن هؤلاء المجرمين أن الشعب الذي قرر الدفاع عن نفسه، والحلف الذي قرر المواجهة لمنع العدوان من تحقيق أغراضه، والمنظومة الدولية التي صمدت في وجه العدوان خلال السنوات الأربع الأخيرة، أن هؤلاء يعلمون بأن الأمور باتت في مراحلها الأخيرة وأن النصر بات معقودا لهم، ولن يفرطوا به ولن تثنيهم إشاعة من هنا أو كذبة من هناك أو مجزرة من هنالك عن المتابعة حتى تثبيت نصرهم بشكل نهائي.
استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان