مع فارق بسيط يتمثل في تداخل بيوت الفلسطينين فيما بين المحال وورشات التصليح والأفران، وتتوزع أزقتها ومدرجاتها الضيقة، وتتفرع انفراجات قصيرة لا تلبث أن تضيق أمام بيت، أو شبه بيت، فيما تتدلّى كابلات الكهرباء والهاتف إلى ما تحت رؤوس المارّة الذين تغوص أحذيتهم بالأوحال، التي لا تغادر المخيم في عزّ الصيف، وبين تلك الأزقّة والبيوت والمحال والمكاتب تظهر الجباه السمر تحمل الأصيل من الانتماء متسائلة عن حالها المستجد، ومستذكرة رحلة الآباء والأجداد في خروجهم من فلسطين السليبة أولاً، ثم خروجهم الثاني من مخيم اليرموك.
متناقضات لا يخطئها عاقل، فصورة المخيم اختلفت، والإيمان بالعودة يزداد رسوخاً في نفوس الفلسطينين وهم يروون ما يراد لهم كلاجئين في ظل الحرب على سورية، وعلى المنطقة العربية كلها، فالتركيز في الحرب الإرهابية والخليجية على سورية يعود لدورها وموقفها من تقديم القضية الفلسطينية على الشأن السوري ذاته، فلا أمل أو مستقبل للعرب كلهم بحيــــاة كريمـــــة دون استعادة فلسطين والحقوق الفلسطينية كلها، أرضاً، وسيادة، وتقريراً للمصير.
حياة البؤس والحرمان التي عاشها الفلسطينيون في المخيمات العربية تم استغلالها لإبعاد الفلسطيني عن قضيته وقتل حلم العودة في نفوس المحرومين، ودفعهم للقبول بالتعويض، والهجرة إلى العوالم الغربية، وإنهاء القضية وفق المخطط الصهيوني والغربي، لكنها سورية التي حملت فلسطين همّاً قومياً، وممارسة يومية، وزرعتها عقيدة في نفوس أطفالها، ينشدون حلم العندليب المهاجر وقصائد درويش والقاسم وزيّاد والكرمي مع قصائد سليمان العيسى ونزار قباني في عروة غير قابلة للحل والافتراق أبداً.
التطورات المستجدة، وعمليات استقدام آلاف الإرهابيين، وتجنيد المرتزقة من كل قارات العالم تحاول إنهاء هذا الدور والموقف غير القابل للتحول، وما بعض التصريحات على هامش المواجهات مع الإرهابيين إلا تأكيد على الهدف الأبعد والمتمثل في قضية العرب الأساس، وما محاولات بعض السياسيين الغربيين ادّعاء تحريك مسار المفاوضات ما بين العدو الصهيوني والسلطة الوطنية الفلسطينية إلا عمل للضغط على الفلسطينيين الذين خسروا دعم الحكومات العربية لقضيتهم، لم يبقَ إلا سورية وحدها متمسكة بالحقوق القومية كلها.
إنها المواجهة في أحد أشكالها، في ظل الميّزة الوطنية لسورية وشعبها والبنية الفكرية والعقائدية التي لا تتراجع عن مبادئها، وتعرف كيف تصنع انتصاراتها، رغم كبَر الهجمة العدوانية عليها.