حاملاً بيده وعارضاً ما قال إنه، في ذلك الحين، أحد اكتشافات الاستخبارات الأميركية لهذه الأسلحة، وأعاد وكرر الحديث عن ضرورات الأمن والسلام التي تراها أميركا في تخليص الشرق الأوسط، والعراق في المقدمة، من هذا الوباء . ثم، وبقدرة قادر، وبعد أن اكتشف الأميركيون أن لا أسلحة تدمير شامل في العراق، تبدلت الضرورات، وبمعونة القادر ذاته، لتصير نشر الديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان . ثم وبعد سنوات من الاحتلال اكتشف العالم وليس أميركا وحدها، أن لا أسلحة ولا حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان .. بل حتى لم يعد ثمة إنسان في العراق سوى القتل والدمار والاجتثاث، وبعد ذلك بسنوات اعترف باول أنه ما كان يدري ماذا كان يوجد في الأنابيب التي عرضها على الشاشات وقال بلسانه إنه عينة من أسلحة دمار شامل عراقية!
في عشية نفاق مشابهة إلى حد ما، وأثناء مناقشة مجلس الشيوخ الأميركي ملف جون كيري كمرشح لتولي وزارة الخارجية الأميركية في ولاية الرئيس أوباما الثانية، أجاب كيري عن أسئلة بعض الشيوخ حول الموقف الأميركي في الشرق الأوسط وخاصة تجاه سورية، ومنها أنه قال بالحرف: "هناك أناس في الخليج" يقومون بتزويد «جبهة النصرة» التي وضعتها وزارة الخارجية على لائحة التنظيمات الإرهابية أخيراً، بالأسلحة!
في العراق لم يكن كولن باول يعرف أن لدى العراق أسلحة دمار شامل أم لا وفق اعترافاته المتأخرة، لكنه كان يعرف كيف يتهمه بامتلاكها ويقدم على ذلك دليلاً كاذباً قبل تحطيم هذا البلد وقتل شعبه، وفي سورية اليوم يعرف جون كيري وزير الخارجية الجديد أن " أناساً " في الخليج كما قال .. يقدمون المال والسلاح للإرهابيين في سورية، لكنه " لا يعرف " من هم ولا يعرف شيئاً عن آل جبر وآل خليفة وآل سعود، بل يعرف أن على روسيا، كما قال، أن تذهب معه إلى حيث يجب أن يسقط النظام في سورية، ودون أن يعرف أيضاً كيف لبلاده أن تسمح لهم أو تقدم الغطاء السياسي لدعم وتمويل وتسليح من صارت تقول إنهم إرهابيين !!
منطق مشابه تماماً، إذ يعرف معارضو استنبول والدوحة وغيرها أصول الحديث والثرثرة في الديمقراطية والحقوق والتعددية والمدنية وغيرها .. لكنهم لا يعرفون شيئاً عن الشعوب وخياراتها الحرة عبر الحوار وصناديق الانتخابات مثلاً، ولا يعرفون ما تعرفه أميركا عن العلاقة بين " جبهة النصرة " والإرهاب .. حتى إن بعضهم اتهمها بالجهل في حقيقة هذه الجبهة التي لا تؤمن إلا بالديمقراطية والمدنية والتعددية، والتي لم يأت إرهابيوها إلى سورية بياقاتهم البيضاء وربطات العنق وذقونهم الحليقة وثقافاتهم العليا.. إلا لـ " تحريرها " ومن ثم تقديمها لهم على طبق من فضة!!