تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفقر والتسرب المدرسي

منطقة حرة
الثلاثاء 18-9-2012
مروان دراج

ما زالت الأرقام المتوفرة حول حقيقة التسرب المدرسي في المحافظات وخاصة في المناطق والأحياء الريفية ليست على درجة من الدقة ويصعب حصرها وتحديدها، إلا في حال مبادرة وزارة التربية ومن خلال فريق من المختصين

في إجراء وإعداد دراسة يتم من خلالها الوقوف على نسب التسرب في كل محافظة مع تحديد الأسباب والدوافع التي أدت إلى حضور الظاهرة وتناميها، خاصة أن هناك من يشير أن شعار إلزامية التعليم أصبح بلا فاعلية ويضرب به عرض الحائط من جانب المؤسسات التربوية الرسمية وأهالي الطلاب في آن، ففي جلسة عابرة مع أحد الموجهين الذين يعملون في السلك التربوي في مدرسة ضمن محافظة ريف دمشق، أكد لي, أنه وخلال نحو عقدين من مزاولته للعمل، لم يسبق له تلمس حقيقة تسرب الطلاب من المدرسة التي يعمل بها كما هو الحال خلال السنوات الأخيرة، واللافت أن الإدارة في هذه المدرسة وسواها لا تبدي تشددا ملحوظا، والإجراءات المتخذة لا تتجاوز توجيه إنذارات إلى ذوي الطلاب تعلمهم من خلالها عن تغيب أبنائهم، علما، أن القانون كان متشددا في هذا الجانب، إذ سبق وفي كثير من الحالات تطبيق القانون بحذافيره ودون تساهل أو تهاون من جانب المرجعيات التربوية، فالقانون الذي نتحدث عنه ويحمل الرقم ( 32 ) لعام 2002 وهو العام الذي تم خلاله إحداث مرحلة التعليم الأساسي, هذا القانون يشرع ويسمح لوزارة التربية بملاحقة أولياء أمور الطلاب ومحاسبتهم في حال عدم التحاق أبنائهم بمدارسهم، ومن بين العقوبات التي نتحدث عنها إلزام ولي أمر الطالب المتغيب وبدون أعذار ومبررات ولفترة زمنية محددة في التوقيع على تعهد خطي وتسديد غرامة مالية مقدارها ( 500 ) ليرة، وفي حال تكرار التغيب وعدم الانصياع يتيح القانون فرض عقوبة السجن على ولي أمر الطالب المتسرب، غير أنه وللأسف نتيجة تجاهل هذا القانون وعدم تفعيله، لوحظ أن التسرب المدرسي بات أمرا طبيعيا ومألوفا كون المرجعيات التربوية لم تعد متشددة حتى لو انقطع الطالب عن المدرسة لأسابيع أو شهور دون علم ذويه، وبالتالي فالمسؤولية في هذا الجانب مركبة تربوية من جهة وأسرية من جهة ثانية.‏

إذا كان التساهل من جانب الإدارات التربوية يعتبر سببا من الأسباب الهامشية برأي البعض, فان الأسباب الجوهرية تعود في حقيقة الأمر إلى عوامل اجتماعية واقتصادية محضة لا يمكن تجاوزها أو السكوت عنها، فبعض أو غالبية المتسربين ولأسباب وثيقة الصلة بشظف العيش, يضطرون وفي وقت مبكر مغادرة مقاعد الدراسة والالتحاق في سوق العمل، وفي معظم الأحيان يعمل هؤلاء الطلاب في أعمال لا تتناسب كليا مع قدراتهم الجسدية، حيث ينضمون إلى الكبار ويزاولون بعض الأعمال التي بحاجة إلى بذل مجهود عضلي مقابل الحصول على مئات الليرات على مدار أسبوع كامل من العمل، وهناك من يختار تعلم مهنة اختارها لهم الأهل بعد الوصول إلى نتيجة، أن الذين تابعوا تحصيلهم الدراسي وحصلوا على الشهادات المتوسطة والعليا مثل الجامعية أو ما هو أعلى، أمثال هؤلاء لم يتمكنوا من العثور على فرصة عمل لا في القطاع العام ولا الخاص، وبالتالي فالمستقبل المضمون يتمثل في تعلم مهنة حتى لو كانت من خلال بيع الفلافل أو افتتاح محل لبيع الشاورما أو افتراش بسطة في الأسواق الشعبية، بهذا المعنى، هناك من يشجع من الأهالي على مغادرة أبنائهم مقاعد الدراسة بعد تجاوز ما كان يسمى سابقا بالمرحلة الابتدائية، حيث لوحظ أن الأهالي يظهرون تشددا خلال هذه المرحلة فقط من أجل تمكين أبنائهم من القراءة والكتابة وكي لا يطلق عليهم بالأميين، طبعا نحن نتحدث عن واقع التسرب وأسبابه ضمن المدن، لكن في الأرياف يختلف الوضع ويزداد تفاقما، حيث لوحظ أنه وبسبب ارتفاع أجور العاملين في القطاع الزراعي وخاصة خلال مواسم وشهور محددة من العام، فقد وجد البعض أن الأجدى في حث أبنائه للانضمام معه إلى العمل الزراعي والتخلي عن العمال الغرباء بهدف تحقيق جدوى اقتصادية أفضل، وقد ازداد عدد المتسربين في الأرياف خلال سنوات الجفاف في المحافظات الشرقية بعد اضطرار الأهالي في تشجيع أبنائهم في الهجرة إلى المدن والعثور على عمل لمساعدة أسرهم في تأمين متطلبات الحياة.‏

وبالاتكاء على هذه الحقائق وسواها, فان مسؤولية التسرب المدرسي مركبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والوصول إلى حلول جذرية لم يعد مرهونا لا بتطبيق القانون الذي ذكرناه لجهة فرض العقوبات على أولياء التلاميذ، ولا حتى بزيادة أعداد المدارس والشعب الصفية، وإنما الأمر وببساطة بحاجة إلى رفع وتائر النمو الاقتصادي وتحسين مستوى أجور ورواتب الذين يعملون في قطاع التعليم والوصول إلى تنمية شاملة من شأنها أن تعيد إلى التعليم ألقه الذي يكاد يتبدد في ظل رحلة العذاب التي يتعرض لها كل من تابع تحصيله الدراسي ويسعى للفوز بفرصة عمل حتى لو كان الراتب الشهري لا يلبي طموحات تحقيق متطلبات الحياة الكريمة.‏

marwandj@hotmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

  مروان دراج
مروان دراج

القراءات: 991
القراءات: 948
القراءات: 963
القراءات: 932
القراءات: 866
القراءات: 950
القراءات: 1166
القراءات: 931
القراءات: 953
القراءات: 1063
القراءات: 871
القراءات: 932
القراءات: 921
القراءات: 988
القراءات: 1074
القراءات: 1547
القراءات: 1010
القراءات: 927
القراءات: 1033
القراءات: 1021
القراءات: 1103
القراءات: 1073
القراءات: 1130
القراءات: 1201
القراءات: 1093

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية