لا داعي لورقة التوت، تغطي ثانية، تلك الوجوه الرثة والتي لا تصلح لتكون أكثر من مستودع لبقايا، بقايا، ألف ليلة وليلة...
هل فلسطين وحدها التي تتساقط أم كلنا نتساقط كما لو أن الديمقراطية هي أن نكون أهل ذمة؟ أجل أهل ذمة، في بلاط الباب العالي، وكما لو أن الحداثة هي أن نكون «عراعرة» ونضع عقولنا، أرواحنا، عظامنا، بتصرف العصر الحجري، وكما لو أن الحرية هي أن نستعيض عن الأقلام بالسواطير.
كم تبدو على وجوهنا الرثة إياها تلك الخيلاء التي أخذت الكثير من ثقافة الذل حين نظهر على الشاشات بين أولئك القناصل الذي يبعثون، ثم يبعثون، على أنهم لم يدفنوا، وعلى مدى قرون، كل أثر للزمن فينا، كل أثر للإنسان فينا، أي خيلاء حين تكون وجوهنا حافية، ملطخة، صاغرة، إلى ذلك الحد؟
حقاً كيف للغة أن تصف المشهد، أيها المثقفون الأفاضل كونوا ضد أي نظام، واصرخوا ضد أي نظام، هذا حقكم، بل هذا واجبكم، ولكن كيف لكم أن تكتبوا على عتبات السلاطين وبدراهم السلاطين، وكيف لكم أن تصرخوا على الشاشات التي نعرف كيف تدار بمنطق القبيلة لا بمنطق الأمة، بمنطق القاع لا بمنطق الأفق!
أكثر بكثير، أبعد بكثير، من أن تكون المشكلة مع النظام. ليس هناك نظام مقدس، ولا من سلطة مقدسة، لكن الإنسان هو المقدس، ونزج به في سوق النخاسة، لكن الأرض هي المقدسة، وندعو لتكون مرتعاً للقدم الهمجية ولعلنا نسأل، ثم نسأل: أين نحن في مهرجان الأمم؟
نستصرخ القدم الهمجية لكي تدفعنا إلى الديمقراطية، والحداثة، والعدالة، ودون أن يكون لنا مكان في أي مكان. أليس هناك من لحظة ضمير، من صرخة ضمير، لنقول إن المجتمعات العظيمة هي التي تصنع مستقبلها العظيم، بأيديها حتى لو كانت عارية، وحتى لو كانت محطمة. لا أحد سوى السذج، ولا أحد سوى العبيد، ولا أحد سوى الدمى، يبحث عن الديمقراطية بين أسنان الفيلة.
ومتى كان للغربان، بقبعاتها الفاخرة، أن تقبل أن تكون بشراً، مجرد بشر أسوياء، بعدما وضعتنا جميعاً في الثلاجة: إياكم والتطور، إياكم والحداثة، إياكم والديمقراطية، إياكم وأن تكونوا تحت سقف واحد. لقد ولدتم هكذا، وتبقون هكذا، تتنقلون من بلاط إلى بلاط، ومن عباءة إلى عباءة، ومن عراء إلى عراء...
مرة أخرى، أيها المثقفون، هل تقرؤون الوجوه. هل تقرؤون الأزمنة مثلما ينبغي أن تقرأ؟ إذا أجابوا: نحن لا نقرأ سوى فرمانات مولانا السلطان؟