وقد اعتاد الشعب الفلسطيني على المواجهة والصمود في وجه الارهاب الاسرائيلي، غير أنّ ما يدفعه الفلسطينيون - والغزيون تحديداً - يبدو باهظاً جداً لأن الفلسطيني يجد نفسه يسدده مضطراً وهو يعرف أنّه فاتورة خلافات سياسية اقليمية ؛ وأخرى بين تيارات فلسطينية وأعرابية وسلجوقية تدّعي الحرص على فلسطين وهي لا علاقة لها إلا بالتآمر عليها.
الخلافات السياسية البينية هي أعظم من أن تخفيها الأطراف الاقليمية المتناحرة التي تبحث عن أدوار على حساب فلسطين وليس من أجلها، والخلافات بين الفصائل الفلسطينية قديمة ومعروفة ولم تغادر يوماً السجال السياسي الحاصل في المنطقة وبين دولها واتجاهاتها سواء تلك التي ميّزت الأعراب بالعمالة والخنوع والاستسلام لاسرائيل، أم تلك التي ميّزت القوميين الذين ما زالوا يقدمون للقضية ويؤمنون بها وبحتمية الانتصار لها في نهاية المطاف مهما امتد واشتد الصراع.
لماذا العدوان على غزة الآن و ما الهدف الاسرائيلي منه ؟ وما حاجة قطر وتركيا اليه وما حاجة أميركا والغرب له ؟ ولماذا تبدو الحركة السياسية مرتبكة باتجاه احتوائه أو وقفه ؟ وهل يمكن تبرئة مدّعي المقاومة المقيمين بالدوحة من تهمة الانخراط بمشروع إعادة تعويم الدور القطري والتركي بمنح التيّار الإخواني فرصة صعود جديدة يحتاجها أشد الحاجة في هذا الوقت الإخواني أردوغان وهو يقف على عتبة القفز الى الرئاسة ؟.
على الأرض .. إنّ ما يجري في غزة هو إرهاب ومحرقة اسرائيلية بحق غزة وأهل القطاع بأكمله، وفي المقابل صمودٌ فلسطينيٌ شعبي ومصابرة ؛ وقصصُ بطولة يخوضها رجال المقاومة الفلسطينية الشرفاء في مواجهة آلة البطش والإرهاب الاسرائيلية المموّلة سعودياً وخليجياً ؛ والمدعومة تركياً ؛ والمحميّة أميركياً وغربياً.
في السياسة .. إن ما يجري في غزة لا ينفك عن غايات المخطط الصهيوني - الأميركي العدواني الذي يستهدف فلسطين أولاً وأخيراً عبر تفكيك وحدة الفلسطينيين كشعب موحد له قضيته، وعبر تفكيك العرب كأمة لتجزئة المجزأ فيها حتى لا يُعرفُ طريق للعودة بها الى الوحدة أبداً، وهكذا فإنّ مدّعي المقاومة المقيمين في الدوحة ؛ وأنظمة المشيخات في مضارب الأعراب والمستعربين؛ وكذلك السلاجقة ؛ تلعب لعبة خطيرة وقذرة وتتاجر بدماء شعبنا الفلسطيني وآلامه لخدمة غايات سياسية أنانية ولتحقيق مصالح مشتركة لها.
لم تعلن «اسرائيل» أهدافها من العدوان ولم تحدد غرضاً سياسياً واضحاً له ؛ غير أنه من الواضح أنها افتعلت توقيتاً مناسباً للأطراف الحليفة لها ؛ وهي اذا كانت ستستنزف القطاع وقوّة فصائل المقاومة الحقيقية فيه من جهة ، وتمارس القتل والارهاب في غزة التي تمثل بكليتها بنك أهداف لها من جهة ثانية، فهي بذلك ستوفر لحليفها التركي فرصة يُزاودُ بها ويصرخ خلالها علّه يعتلي كرسي الرئاسة - ولن تحلم اسرائيل برئيس تركي مطيع ومنافق أكثر من أردوغان - وبالتوازي فإنّها توفر للحليف القطري أيضاً مناسبة للعودة الى لعب أدوار بالمنطقة لطالما انسحب منها مرغماً.
للأسف الشديد هذه هي الحقيقة وهذا هو المشروع المنخرط به نظام عربي عاجز؛ وأعرابي سلجوقي عميل ومتواطئ ؛ وغربي متصهين، وحركات وهابية اخوانية ارهابية متطرفة، والهدف دائماً كسر ارادة المقاومة؛ وتمييع خياراتها؛ واستهداف محورها؛ ومحاولة اضعافه، لكن الوقائع لا تسير - ولن تسير - على هوى المخططين والمنفذين، وها هي اسرائيل تألم، وها هو المقاوم الفلسطيني يبدع باستخدام عناصر الرّدع التي وفرها له أشقاؤه في محور الدفاع والمقاومة الذي يصنع معادلات قوة جديدة في السياسة والميدان.