الهدف واضح جداً وهو تدمير بنية الدولة وإعادة المجتمع العراقي الذي عرف بقوة سيطرة وسطوة السلطة العسكرية والاستخباراتية عليه إلى مرحلة ما قبل الدولة وإدخاله في مفهوم القبيلة في مرحلة النزاع والاختلاف والاقتتال.
وقد جنت الولايات المتحدة نتائج دسمة في زرع بذور الاختلاف الطائفي والمذهبي والقبلي والمناطقي بين أبناء الشعب الواحد، وهو الواقع المر الذي مازال يعيشه العراق بعد أكثر من تسع سنوات على ذلك اليوم المشؤوم حيث وقفت الدبابة الأميركية على جسر الجمهورية في بغداد إيذاناً بإعلان سقوطها الثاني على يد المغول الجدد، وفي ساحة الفردوس تجمعت كل وسائل الإعلام لتشهد إسقاط تمثال صدام حسين كتعبير عن الاستخفاف برمز وقيمة الدولة بغض النظر عن الطبيعة الديكتاتورية والفردية لحاكم حافظ على وحدة البلاد بالحديد والنار والاستبداد، مقدماً مشروعه القومي الملتزم بتحرير فلسطين و الرافض للقوة الإيرانية الجديدة الآخذة بالتطور وأخذ دور إقليمي متعاظم.
التجربة الأميركية ذات الصبغة البريطانية أثبتت نجاحاً في تدمير بنية الدولة العراقية، وراق تطبيقها للولايات المتحدة امتداداً إلى بقية الدول العربية فبدأت تنفيذ تفاصيل مشروعها الأكبر بدءاً من تونس وليبيا ومصر واليمن وصولا إلى سورية مع اختلاف الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة في كل بلد، وذلك بعد طرح نظرية الفوضى الخلاقة أسلوباً لانتقال الحكومات نحو دولة الديمقراطية المزعومة كأنموذج يحتذى ، طارحة الحكومات الغربية كنماذج ناجحة، متناسية الشروط الذاتية والموضوعية التي تحكم المجتمعات العربية، فانقاد كثيرون خلف هذا الطرح الزائف والذي يخفي وراءه الرغبة الأساسية في السيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها والتحكم بموقعها الذي يمثل قلب العالم القديم.
أما الوسائل التنفيذية فقد اعتمدت المجموعات الإرهابية الدولية التي نمت وقويت شوكتها تحت مرأى الاستخبارات الأميركية ودعمها المباشر، فكانت المحرك الأساسي لتفجير حالة الاحتقان والتوتر وصولاً إلى مواجهات القتل والذبح والتخريب ونشرها كثقافة دخيلة على المجتمعات التي عرفت التسامح والمحبة قيماً حملتها إلى البشرية كلها منذ فجر الخليقة.
وربما كان الشأن السوري الأكثر فرادة وتميزاً بين كل حالات الحراك التي شهدتها الدول العربية، الأمر الذي أطال من أمد الأزمة لسنة ونصف مضت، وهي مازالت مرشحة للامتداد لفترة طويلة في ظل زيادة التدخل الخارجي الذي يرتكز على تبني الولايات المتحدة للمجموعات المسلحة وتكفيل دعمها المالي لكل من السعودية وقطر،فيما أوكل إلى تركيا تقديم الدعم العسكري وضمان تدفق المجموعات المسلحة من حدودها الطويلة والسعي لخلق منطقة عازلة على غرار ما حصل في ليبيا.
ولكن شتان بين الحالتين فالمجتمع السوري لا ينجرف خلف الادعاءات ودعوات التحريض، إذ ما زال القسم الأكبر منه يساند قيادته ويقف معها، ويؤمن بمشروعها الإصلاحي، ويواجه تعنت وصلف العصابات الإرهابية وإجرامها، دون أن ينزلق في تفاصيل المخطط الأساس الهادف إلى إعادة سورية إلى مرحلة ما قبل الدولة، فبعد هذه الشهور العصيبة من عمر الأزمة مازالت الدولة محافظة على بنيتها وكيانها الأساسي على الرغم من حالات الانشقاق وبعض مظاهر الهروب لفاسدين سقطوا في أحابيل الغرب هروباً من احتمالات محاسبتهم بعدما تأكد لهم استحالة نجاح المخطط التخريبي.
الصورة على الرغم من قتامتها، والجريمة على الرغم من امتداداتها البشعة، لكن الإرادة أقوى من كل أشكال الشر، والرؤية الواضحة كشفت كل تفاصيل المؤامرة وأبعادها،ودخلت في مرحلة الحل،وإن كانت صعبة وثمنها غال... وغالٍ جداً.