أو خارج نسق التفكير الأميركي ونهج المواجهة، الذي كرسه مع دول العالم غربه وشرقه، الحليف منه والخصم، القريب والبعيد، ولم تخلُ هذه «النوبة» من المهادنة السياسية على غير العادة.
فقد طغت اللهجة التصالحية خلال اللقاءات الثنائية على نقاشات قمة العشرين، حتى إن القرارات التي توصلت إليها على محدوديتها، بدت من قبيل تحصيل حاصل، باعتبار أن الكثير من تلك اللقاءات الثنائية تفوقت في أهميتها على كل ما أدرجته قمة العشرين على جدول أعمالها المزدحم، والتي تراكمت على مدى السنوات الماضية، حتى بدا أن القمة كانت تستهدف اللقاءات الثنائية أكثر مما تتطلب النقاش في جدول الأعمال.
فالرئيس الأميركي غلبت على مواقفه صفة المراجعة، وربما المهادنة في الكثير من النقاط الخلافية والصدامية التي طبعت مواقفه السابقة، حتى إنه أظهر وداً غير مسبوق، أو بتعبير أدق أبدى ما يعاكس شخصيته وما يتناقض مع لغته المعتادة، وأنه كان أقرب إلى المصالحة في النقاط الخلافية الصادمة على مستوى العلاقات الدولية، وبرز في السياق نفسه ما يشير إلى أنه يريد ترميم ما هدّمته مواقفه السابقة وإصلاح ما أفسدته تغريداته!!
لكن.. على مبدأ «من شبَّ على شيء شاب عليه»، سرعان ما انقلب على الكثير من مواقفه التي أطلقها في قمة العشرين، ولم تكد تعلن حتى ظهر ما يناقضها، حيث بدا عاجزاً عن الاستمرار في الدور الذي تقمّصه، والذي يرى كثيرون أنه كان حملة تمهيدية لإعادة انتخابه، وخصوصاً أن السباق الانتخابي يؤشر إلى سخونة تقتضي منه بعض المهادنة على مستوى العلاقات الدولية، إيذاناً بمرحلة قادمة تعقّد المشهد العالمي.
المحسوم أن أميركا في عهد ترامب أحدثت أكبر مشهد من الخلافات، وتسببت بتصدّعات في النظام العالمي كما لم تشهدها يوماً، وهو ما يؤشر إلى أن الرغبة في المهادنة ليست وليدة المصادفة، بقدر ما تحمل في طيّاتها الرغبة في إنهاء الولاية الحالية والتأسيس للثانية من دون أن يكون عامل العلاقات الدولية هو الحاسم، في ظل تآكل الصداقات الأميركية وتدني مستوى الوثوقية بالتعهدات أو الوعود والالتزامات.
يبقى الفارق في كل ما جرى أن الرئيس ترامب ليس بوارد الكف عن النهج الذي كرسه، بدليل أن التهديدات لم تتوقف، ولغة الابتزاز الرخيص لا تزال تحرّك الرغبة لديه، وما يقوم به في أقصى حالاته حملة علاقات عامة ترويجية تحمل عوامل الفشل أكثر مما تؤسس لمرحلة جديدة فعلية في السياسة الأميركية، وأن نوبة التصالح أو المهادنة تبقى مؤقتة ومرهونة بمصالح البيت الأبيض، وربما مصلحة ترامب وطاقمه الضيّق!!
a.ka667@yahoo.com