هل وقف أحدنا ذات يوم أمام السؤال الأهم في حياته: لماذا أنا سوري وماذا يعني أن أكون كذلك.. ماذا أحمل في دمي وشراييني وجيناتي..؟! ما هي رسالتي إلى أسرتي أولاً ووطني ثانياً، والعالم ثالثاً..؟! أهي رسالة واحدة؟
ماذا تعني الأسرة أولاً والانتماء إليها..؟
ثمة من يروي أن أحداً من كبار القادة لا أشباه القادة كان يتبع دورة ما، في بلد أوروبي ومعه في غرفته أحد الزملاء من الدورة نفسها.. ترسل أم الزميل له طالبة نقوداً لعلاجها.. يحار الابن في الطلب يردد متمتماً: أمي عجوز مريضة وقريبة من حافة القبر وأنا اليوم سأسهر ويتخذ القرار لا نقود لأمه.. تموت الأم.. تدور الأيام والرجل الذي نتحدث عنه يصبح قائداً ويرشح له ذاك الزميل ليكون في موقع المسؤولية، المرة الأولى يرفض وفي الثانية والثالثة وحين ألحوا بالترشيح كان لابد أن يقول لهم ما جرى أمامه مضيفاً لو كانت الأم تغفو إغفاءة الموت كان يجب أن يرسل لأمه ما أرادته ، من لا خير فيه لأهله لا خير به لأحد.
هذا هو الانتماء الحقيقي للأسرة أولاً، نعم البيت العائلة الأخلاق والتربية والقدرة على أن نكون فاعلين خلاقين في أسرنا، في أعمالنا، في أدوارنا حيث نحن.
الوطن هو الأسرة والمدرسة والعمل، هو الجامعة والمعهد وهذه الحضارة والتراث والدور الذي نؤديه في حياتنا هو الجميع وللجميع.
الوطن ليس حقلاً زرعه الآباء وعلينا حصاده دون أن نزرع للأبناء والأبناء يزرعوا للقادم..
الوطن ليس حقلاً بلا سياج لحظة نشاء ونريد.
في سجل الوطن لو تكلم ما يشيب الرؤوس.. هل الوطن ينسى أولئك الذين يريدون الحصاد قبل الزرع يسألون ماذا لنا..؟! أين غلالنا.. أين سلالنا..؟!
والغريب في الأمر أنهم يسرقون ينهبون ويتنقلون في بساتين كثيرة وكأن الوطن لم ينجب غيرهم.. وحدهم تحت عين الرضا، عين المحبة التي تغفر لهم أخطاءهم وخطاياهم، تراهم في مواقع المسؤولية كلها يتنقلون بقدرة قادر وفجأة يعلنون اغتيال الوطن يرونه غنيمة يجب أن توضع في حقيبة سفر وإلى أول بلد يقبلهم وما أكثر البلدان التي تشدهم إليها ليس حباً بهم وإنما ليكونوا فئراناً تخرب، جرذاناً تنشر الطاعون في وطنها.. أحقاً يصبحون حيث يفرون ويهربون صالحين أتقياء أنقياء كما تساءل أحدهم..؟
أيها الوطن!! ما أروعك!! ما أعظمك.. تسامح وتغض الطرف، ترفق، تسامح، تغفر، تصفح تعطي الفرصة تلو الأخرى فلست بساه عنهم، تعرف هذه الثعالب التي لا تبتسم لكنك تقول قد يموت الذئب في دواخلهم ويعودون إلى رشدهم..
وطني لست غافلاً، لست تائهاً، لست خائفاً، سورية أنت من يصهر المعادن ويعيد سكبها.. تمر بك المحن ولكنها لا تكسرك، لا تعصف بك مهما اشتدت.. سورية أنت في جفن الردى، صحيح أنه ليس نائماً كما قال المتنبي مخاطباً سيف الدولة لكنك ياسورية تهزمين الردى.. لن تفر الثعالب من العقاب، باب التوبة كان على مصراعيه.. لكن الخطيئة والخطايا كانت أكبر، هم أرادوا ذلك.
سورية الوطن الأول، البسمة الأولى، الحب الأول، لن نساوم، لن ننكسر، نحتاجك عنفواناً بشموخ جبل الشيخ، وصمود قاسيون.. العابرون وحدهم زائلون، ضائعون معاًيداً بيد سنبني إنساننا الجديد، غدنا، مستقبلنا، مدارسنا، جامعاتنا وعدنا وعهدنا..
سورية أيتها المنذورة لكل الأصدقاء الذين أكلوا لحمنا حياً وتاجروا بنا في سوق النخاسة أما حان أن تكون سورية أولاً، أولاً، أولاً.. وليتعلم العربان في مدرستك أولاً أبجدية لبس حتى الحذاء ولتكن بعدها قواسم مشتركة ليست سورية أولاً، لأنها هي أول الكون، أول المجد، أول الحضارات وفي حضارتنا المقدمة ليتعلم الكون معنى أن تكون سورياً بعد أن يزول هذا الصدأ..
d.hasan09@gmail.com