ولا عباءة الاستقواء بالأميركي والغربي عموماً، وقد استدفأ الدولارات وشعر بغبطة المديح الأميركي وضمناً الإسرائيلي، فقدّم من خلالها ما عجز العقل السياسي عن التنبؤ به.
«العربي» الذي أجهد نفسه، وحمّلها فوق طاقتها، كي يقدم ما يستطيع لخدمة المشروع الغربي، وليكون على مقاس المشيخات التي عوّمته اليوم وتسير به كواجهة لابد منها ليستكمل دوره حتى آخر الشوط، هذا «العربي»، يتحفنا كل يوم بما يفيض عن الحاجة كي يثبت أنه الطراز المستحدث الذي لم يكن قبله، ولا يمكن أن يأتي من بعده.
قد يكون بمقدور نبيل العربي أن يتبرأ من اسمه وانتمائه، ولم يتردد في تأكيد ذلك كلما سنحت الفرصة، وقد يكون بإمكانه أن يتحول إلى أداة رخيصة ومبتذلة، ولم يقصّر في ذلك أبداً، لكن ليس بمقدوره ولا بإمكانه أن يستمر في رتم أفكاره غير المسبوقة التي أوصلت الجامعة العربية إلى حضيض لم تعرفه، وإلى قاع لم يتخيله حتى أعداؤها.
كما لم يعد بمقدوره أن يواصل حالة الهذيان السياسي التي أوصلته إلى حد التغني بنبوءاته السياسية وباتت مضرباً للمثل في «البراعة» الدبلوماسية التي فسّرت إلى حد بعيد عوامل اختياره لهذا المنصب!!
فجيعة العرب بـ«نبيلهم» العربي ليست فيما ساقه من أمثلة على تواضع أداء المؤسسة العربية المصادرة لمشيخات الخليج، ولا فيما يُقدم عليه من سوابق تطيح بالحد الأدنى من ميثاق العمل العربي، بل ربما هي أكثر في تحوله إلى بوق لأمنيات الذين صادروا الجامعة، وأسيادهم الذين عجزوا -حتى في أمنياتهم- عن تحقيق ما يعمل عليه العربي، وما يسعى إليه.
ندرك مسبقاً أن ما ذهب إليه لا رجعة عنه، وما تورط فيه لا مخرج منه.. لم نعول على صحوة ضميره المباع للبترو دولار ثمناً لوصوله، ولم نراهن على موضوعية أحيلت إلى الأدراج منذ اللحظة التي وضع فيها أوراقه في سلة الأميركي والإسرائيلي بالتقاطع أم بالتعمد، حيث الفارق يضمحل إلى حد التلاشي.
وندرك أيضاً، كما يدرك هو قبل غيره، أن ما ذهب إليه قد أحرق المراكب منذ زمن بعيد، وأن البحث عن طوق النجاة لا يكون بمزيد من التهور، ولا في الغوص في المستنقع الآسن، ولا البحث عن أحجيات تزيده غرقاً في أتون السراديب الجديدة، بعدما فشلت فيها نبوءاته وأمنياته وأمنيات مشغليه.
لم نرغب من العربي هذا أن يكون تبديل جلده هو الطريق إلى الغرق، لم يكن أحد يتمنى أن يصل إلى ما وصل.. أن يذهب مع التيار الجارف إلى حيث لا موقع لقدميه، ولا مكان للجامعة العربية التي باتت أحجية في الزمن العربي البغيض.
وبالقدر ذاته كانت لنا نصيحة في الماضي، واليوم نكررها، وهي فقط لحفظ ماء الوجه، وهي أن يكف عن الحديث.. أن يصمت، ربما في صمته ما يمكن أن يجنب الأمة المزيد من الكوارث.. أن يعفيها من مزيد من المهاترات والترهات ومن المآزق.
وكذلك ربما في صمته يخفف من بعض أوجاع الأمة التي تزداد كلما تحدث، وتكبر كلما تحرك، وتنكئ الجراح كلما بادر .. وتزيد من المتاعب كلما فكر..!!
ما نقوله ليس تشفياً به ولا بالمؤسسة اليتيمة من عروبتها وهي تغرق وتُغرق أعرابها معها، لكنه حرص على ما تبقى أو ما قد يتبقى في لحظة هاربة بالتأكيد من هذا الزمن العربي الغادر!!
a.ka667@yahoo.com