لماذا خذلك الذين فنيت عمرك في سبيل الدفاع عنهم وعن قضاياهم..هل كنت تتوقع أن يقولوا لك: شكراً لن ننساك؟
أم توقعت أن تعمر المدينة لأجلك تمثالاً في أكبر ساحاتها؟
لو أن هذا هو عرف التاريخ وعرف ما يجري لما كتب الأدباء شعر الخيبة.. ولمَ كتب الزمن الأمثلة عن الغدر والخيانة وقلة الأصل وضياع المعروف، الناس هكذا، تغدر وتنسى بسرعة الوفاء وتبيع المعروف والقيم في سوق المصالح. فهم أولاً والضمير ثانياً والنضال ثالثاً والوفاء آخر ما يفكرون به. أتعرف لماذا؟
لأن الوفاء حمل ثقيل على الانتهازيين والحاقدين والحاسدين. وحتى يكون المرء وفياً عليه أن يكون شجاعاً وفارساً ونبيلاً , وهذا عزيز وقليل في هذا الزمن.. فكم من الأدباء دفعوا أعمارهم دفاعاً عن الفقراء والمظلومين والمضطهدين، وكم من الشرفاء ناضلوا من أجل المحرومين والضعفاء والمقهورين.لكنهم فوجئوا بأن أولى الطعنات جاء تهم من هؤلاء المقهورين والمظلومين.. لكن ما السبب؟ لا أعرف.. هل النفس الأمارة بالسوء. أهو الطبع أم التطبع.أم هي سمات الأزمنة كلها ؟. وخير دليل على ذلك هو ما يحدث اليوم.فالصديق لا يعرف صديقه إلا إذا كان له مصلحة بذلك.. والأخ لا يعرف أخاه والجار باع العشرة والخبز والملح. والذين كانوا أصدقاء الأمس صاروا أعداء اليوم لأنهم محكومون بالمادة.. المادة هي أساس صداقات هذا الزمن. لهذا يا صديقي لا تأسف على ما فات..فالقادم أسوأ كما تقول دائماً صديقتي.. وبما أن القادم قريب ويصل بسرعة فسنرى العجائب في الزمن القادم.. وفي مجمل الأحوال, لن نندهش..وعلينا أن نقبل هذا الخراب القادم باستمرار. لأنه لم يأتنا مستورداً ولم يرسله أحد لنا عبر المحيط..بل نحن استقدمناه ونحن اشتريناه بثمن كبير..هو ثمن الكرامة وثمن الوطن والقيم.
حزين أنت لأنهم لم يقدروا عطاءك.. ولم يحتفوا بمواهبك ونضالك؟ وخائب من الذين يعرفونك ويعرفون تاريخك النظيف المرير.. عايشوك عندما كنت في أوج ألقك وبأسك . حين كنت تقول: لا والخانعون يقولون نعم.. وحين كنت تدفع دمك من أجل الحق, والانتهازيون صامتون كأن على رأسهم الطير.. هم لم ينسوا أنك جعت لأنهم أكلوا خبزك وعريت لأنهم سرقوا ثيابك فمشيت عارياً حافياً إلا من كرامتك وتراب وطنك. صرخت كثيراً في وجه الطواغيت والحيتان. وربما بكيت وحدك مرات وأنت تنظر في وجوه صفراء تحيط بك.. مع ذلك كنت تأمل أن يرعوي الزمن وينصفك.. فيقدر بعض الناس أنك سعيت لأجلهم.. ويقدر بعضهم الآخر أنك تعرضت للأذى من أجلهم ومن أجل كرامتهم.. لم تكن تتوقع أن يديروا ظهورهم ويتركوك تتخبط في بحر هائج.. على الأقل يلتفتون نحوك ويظهرون بعض الأسى وهم مسرعون.. أو بعض الاعتذار عن عجزهم أن يكونوا حقيقيين. وليعترفوا بأنهم بشر يغتنمون رياحهم كيفما هبت.. لم تكن تريد أكثر من تلك الالتفاتة كي تستمر في النضال وتستمر في إيمانك بالناس وقناعتك أنك تقوم بعمل نبيل. وأنك لم تخطئ حين رفضت أن تكون انتهازياً ووصولياً وحرامي. كأنك لم تقرأ قصص التاريخ.. ولم يمرّ بك حصان معّد بن يكرب الزبيدي وغيره من أحصنة القصص والأمثال التي تروي مثل هذا الحال..لا تحزن يا صديقي.. فالنفوس الكبيرة لا تنعطف عند أول جدار.. عليك أن تستمر في قناعاتك ونضالك من أجلك أولاً ومن أجل الزمن القادم حتى لا يضيع المعروف ولا تفنى الشهامة.. لا بد أنك ستجد في طريقك المظلم ضوءاً من صديق..ومشعلاً من إنسان يحب النور. فما زال بصيص أمل في البعيد. الكلمة مشعل.. والحق نور.. والشرفاء هم أعمدة الأرض.. فلا تكسر الأعمدة بيدك. ألا يكفي ما انكسر في أرواحنا من أعمدة وصروح؟