المحسوم وسط هذا الخلط للأوراق أن المعادلات تشهد انزياحاً جماعياً وفردياً، وبعضها يواجه انزلاقاً خطيراً يؤدي إلى قلب أطراف المعادلة، وإلى تعطيل الحسابات الإقليمية المبنية عليها، حيث الميدان يسجل خطوات متلاحقة تدفع إلى الجزم بخسارة المجموعات الإرهابية لمراهناتها، ومعها بالطبع الأطراف الداعمة والممولة، في حين المناخ السياسي يكشف بالتدريج عن انحسار للصورة النمطية التي استمرت طوال السنوات الماضية بما يعنيه من تغيير ليس في المعادلات على أهميته، بل وفي المسلّمات المعمول بها.
فجاءت العربدة الإسرائيلية لوقف حالة الانحسار التدريجي في البدائل والخيارات واستبدال الحائط المسدود بخنادق مفتوحة على المواجهة، وإن كانت لا تستبعد من حساباتها نجدة مرتزقتها، وإعادة التصويب مجدداً للنفخ في رماد فكرة حليفتها الأردن في مناطق «عازلة»، التي ولدت ميتة وستبقى ميتة بحكم الأمر الواقع وما يفرضه من معطيات صادمة على مستوى الخطر القائم واستحالة التفكير في المسألة.
على أن الهدف الإسرائيلي في شقّه الخارجي يبدو أبعد من مجرد النفخ في هشيم النار المشتعلة، ومن التذكير بالحضور الاسرائيلي الذي لم يغب، وإن جاء في سياق البحث عن بدائل لأدوات أميركية مهترئة وفاشلة بامتياز، حيث البيدق الإسرائيلي احتياطي دائم في مفردات الهيمنة الأميركية لإعادة ضبط المشهد، وربط الخيوط المتناثرة والمتشابكة بعد أن كادت تفلت من اليد الأميركية، سواء ما تعلق منها بحماقة السعودية وما تذهب إليه، أم برعونة أردوغان وما يجره من انعكاسات تهدد المخطط الأميركي بالانفجار من داخله، قبل أن يعلن الفشل من خارجه.
اعتدنا أن يكون الصمت الأميركي والغربي المريب علامة لموقف مؤيد، بل محفز للعدوان الإسرائيلي، وألفناه أن يكون حاملاً لرسائل أميركية بالدرجة الأولى، وتعودنا عليه أيضاً أن يكون في سياق توزيع الأدوار والمهام واستخلاص المقدمات التي تقود إلى تلك النتائج التي ترغب أميركا في تسويقها، لكنه هذه المرة يأتي محمولاً على النقيض، ومتستراً بذرائع واهية تكذبها الوقائع على الأرض، وتحملها في سياقات مختلفة تبدو أكثر خطورة وأشد رعونة من سابقاتها.
فهذا لا يدفع المنطقة إلى المجهول فحسب، بقدر ما يعني قصفاً تمهيدياً لجولة صراع تشتد عوامل المجاهرة بحيثياته، وتكثر فيه حملة الأوراق المحترقة، لتتدافع معها أعمدة الرماد المتطاير من أمامها وخلفها، ولتحط رحالها على معالم مرحلة من التصعيد الإضافي الذي لا يكون فيه الإرهاب مجرد حلقة أساسية تتقاطع حولها مختلف الأدوار الوظيفية وغير الوظيفية، بل محور لكل الحلقات الأخرى بما فيها العدوان الإسرائيلي المباشر، وما يلحق به من إضافات، تراكمية كانت أم نوعية، في سياق تسخين الأجواء وتصعيد المواقف.
الفارق اليوم بين عربدة إسرائيلية لم تتوقف، وبين حضور مباشر أو غير مباشر خلف التنظيمات الإرهابية أو أمامها، أن العدوان الإسرائيلي يدشّن عوامل التفجير الذاتي لمشاريع أغرقتها الأوهام والحسابات الخاطئة، ويعيد تعويم مفاتيح الانفجار المؤجل في المنطقة لتكون أبوابها مفتوحة على شتى أنواع الاحتمالات، والتفجير الإسرائيلي ليس أكثر من توطئة تمهيدية لانفجارات قادمة تتأهب القوى والأطراف للتمترس على جوانب خنادقها المنتشرة في المنطقة وخارجها.
فحلبة الانزلاق على صفيح المشهد ليست وليدة عدوان لم يتوقف للحظة، ولا هي فقط في توقيت حضور الإسرائيلي المباشر، بل تتدحرج عليها كرة المواجهة لتشبيك التحالفات وترسيم خطوط المجابهة إقليمياً ودولياً، وعودة التشفير إلى معادلة المبادرات الدولية، ولو كانت بالأدوات ذاتها بدءاً من الإرهاب بتنظيماته وانتهاءً بدوله الراعية والداعمة والموجهة والمنفذة على اختلاف وظائفها..!!
a.ka667@yahoo.com