بل مسيرة بقواميس الطبيعة وحياتها، رخويات بشرية كتل هلامية، ما من وصف يليق بها ابدا الا انها في الدرك الاسفل من الدونية والغباء المطلق، كائنات امتهنت ان تكون مجرد ادوات، واي ادوات فلربما كانت الاداة مهما استعملت ذات فائدة يوما ما، لكنها هنا بمعنى اخر.
هل نصدق ونحن في القرن الحادي والعشرين ان ثمة من يدعي الثقافة والفكر وانه منوّر، يصول ويجول هنا وهناك، يبيع ويشتري ويتاجر بوطنه ومصيره، تراه يهرف بكل شيء وتظن انك امام عالم سوف يغير مجرى التاريخ و لكنك تفاجأ انه فعلا غيّر فعلا ومعه الاذناب -غيّر التاريخ بتدمير معالمه واجتثاث كل ما هو فوق الارض من صروح ومشيدات ومدن كانت منارات في تاريخ تطور الانسان وحضارته.
يهدم الماضي، ويقتلع الجذور التي ضربت عميقا في سرمديات الزمن، وبقيت دليلا على ان بيادر النور كانت من هنا، من هذا الشرق من بلاد الرافدين من الشام، والعراق ومصر، وهاهم يثأرون منها من تاريخها وحضارتها، وليس ما يجري من تدمير ومحو للذاكرة (احراق المكتبات، تدمير الاثار وجرف المدن الاثرية، نقل بعضها الى الخارج والى ما في القائمة) ليس الا استكمالا لحلقات اقتلاع الجذور، عبر تزوير التاريخ وما اكثر الوسائل، بدءا من الاسرائيليات التي غزت الفكر الديني المسيحي والاسلامي، وصولا الى ما نراه الان.
والعرب الاعراب نائمون في ضلال مبين، سكارى بالحور العين في بلاد اللحم الابيض، تركوا الارث الثقافي المخزون، لم يضيفوا اليه شيئا، وركنوا الذاكرة الى الشبكة العنكبوتية التي ستكون المحطة الاخيرة في تحويلهم الى اشنيات بلا جذور، وكائنات هلامية و لاتعرف شرقها من مغربها، فبعد اغتيال ذاكرة الورق والحجر والبشر لكل تاريخنا، سيتم تدمير كل ما ظننا اننا نحفظه في هذا العالم الافتراضي، سيدمر بكبسة زر، سيمحى ويرمى الى قعر عميق، ولن ينفع شيء بعدها، فتاريخنا مسح، وتراثنا صار نسيا منسيا، وما تباهينا انه مشاركة وصون على الشابكة هو بيد الاخر الذي اغتال كل ما هو نيّر في حضارتنا وتاريخنا، فاين المفر ؟
رخويات اليوم، ببساطة هي اكوام نفايات في الغد، ما يجري خطير للغاية، والصمت المريب الذي يلف من يدعون انهم مثقفون وفي العالم كله، صمتهم امام تدمير هذا الارث العظيم ليس الا مشاركة متعمدة به، واذا كان بعضهم يظن ان الدور لم ولن يأتي على تراثه فلينتظر العم سام وتبّعه فالامر مسألة وقت لا اكثر ولا اقل.
d.hasan09@gmail.com