ولا يمكن للعقل إلا أن يُثمّن عالياً القيمة المعرفية والعلمية له، ولا يمكن للعالم إلا أن يُقدر القيمة الحضارية للذين اشتغلوا على إنتاجه ووضعه بالاستخدام كأداة مكتبية معرفية علمية تحفظ هذا الكم الهائل من المعلومات والدراسات والأبحاث والإحصائيات، ولكن!!.
لا نُنكر كل ما تقدم ونُعظمه ونقدره، لكننا كمستخدمين ومتلقين منفعلين نجد من الواجب علينا جميعاً أن نسأل: من يُدير (غوغل) والمواقع الأخرى؟ ومن يمتلك حصرية قرارات النشر والحجب والمنع فيها؟ وما مدى دقة ما يُقال عن براءة الدوافع التي تجعل منه ومنها أداة متاحة في متناول العالم؟ وإذا كان من المعلوم أن أميركا هي المُخترع والمالك والمدير، فهل يُحرض ذلك فينا أسئلة أخرى؟ وهل يجعلنا نحذر أثناء الاستخدام، أم أننا سنراوح في المكان منقسمين مندهشين مأخوذين ببراعة الإنجاز دون أن نتقصى الأهداف السياسية غير البريئة له؟.
أميركا ليست جمعية خيرية، وهذا ثابت بالدليل القطعي، بل إن أي حركة تقوم بها لا بد أن يكون لها وظيفة سياسية، وبالتالي فهي لم تُقدم يوماً خدمة مجانية للعالم، ولن تفعل، وإذا كان البعض يذهب إلى مقولة الاستثمار المادي في الانترنت ويكتفي بذلك، فإن في هذا المذهب جزءاً من الحقيقة وشيئاً من الصواب، لكن في سياق وجوب البحث عن الصواب والحقيقة الكاملة، ينبغي ألّا يغيب عنّا أن لأميركا غايات سياسية ثقافية غير منظورة لكنها أساسية لها، وقد أثبتت ذلك الجهة التي تدير ، وتُثبته كل يوم مرات ومرات من خلال سياسة القبول والحجب والمنع التي تمارسها في إدارة المحرك البحثي وما إليه من مواقع أُضفي عليها صفة ووظيفة (التواصل الاجتماعي).
الإدارة الحصرية لهذه المواقع ومحركات البحث - وهي أميركية - تحجب نشر مواد وتمنع أخرى، وتتيح في نفس الوقت نشر مواد أخرى من ذات النوع وتحمل المضامين ذاتها، فهل سأل أحد منّا لماذا، وما المعيار الذي تعتمده؟.
يقطع الإرهابيون الدواعش رأس (عربي أو مسلم) في سورية أو العراق، فيجد المشهد طريقه إلى الانترنت، ويقوم الدواعش بالفعل ذاته مع رهينة أجنبية في المكان ذاته، فيتم حجب المشهد ويُمنع نشره لأسباب إنسانية، فما معنى ذلك، هل ينطوي على تمييز عنصري؟ أم أنه يعتمل نفي الصفة الإنسانية عن (العربي والمسلم) بمقابل تثبيتها على غيره؟ وإذا كان الأمر لا يحتمل مثل هذا التفسير وتلك القراءة، فلماذا لا يكون المعيار واحداً يحجب وينشر في الحالتين؟.
هذا مثال ليس إلّا، وهناك كمٌ هائل من الأمثلة الأخرى التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن ثمة وظائف سياسية وثقافية تقف وراء كل ما تضعه أميركا من تقنيات في متناول العالم، وبأن هناك ثمة غايات غير بريئة تسعى لها الجهة الأميركية التي توجه وتدير، وبأن هناك ثمة استثمارات لها تقوم على جهلنا، وبأن هناك ثمة استخدامات لبساطتنا التي تقدم لأميركا بنك معلومات مجانياً عن مجتمعاتنا، تجمع وتحلل فيه، فتفهم مجتمعاتنا أكثر، وتقدم لها تالياً ما ينخر فيها ويُدمرها؟!.