تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قدر الوطن

معاً على الطريق
الأحد 21/8/2005
د. اسكندر لوقا

بداية اعتقد أن لا خلاف على القول إن للدولة كافة في أرجاء العالم أقدارها كما للأفراد والشعوب. فالفرد يخلق في مكان لا يختاره,

مثلما هو لا يختار اسمه أو والديه أو معتقده أو جنسيته ولونه وسوى ذلك.‏

على هذا النحو ربما تكونت حدود الدول في البدء, وإن ما طرأ أو يطرأ عليها من تغيرات بفعل الاستعمار, يبقى قابلا للزوال.‏

مع مقاربتنا لهذه المعادلة, يستطيع أحدنا القول إنه كما يجني الفرد نتيجة خيار المصادفة أحيانا, كذلك تجني الدول نتيجة تشكلها أيضا بالمصادفة. وفي سياق هذه الرؤية لواقع الدول في منطقتنا العربية على سبيل المثال, فإن سورية مهيأة دائما لمعاناة نتائج المصادفة التي جعلتها بوابة المناطق التي استهوت وتستهوي المستعمرين إلى أيامنا هذه وبلا توقف.‏

ومن هنا أيضا, تكتسب سورية مكانتها المتقدمة بوصفها الحصن المنيع الذي قاوم ولا يزال يقاوم ذوي الطموح لكسب العالم والتحكم بمقدرات الدول, من دون حق.‏

وبذلك بقيت سورية عصية على إرادة الخارج, تقف في مواجهة الطامعين بها أو بما هو ورائها, بعنفوان الفارس الذي يمتطي جواده فينازل أعداءه حتى النهاية ولا يتنازل.‏

وحين تكون سورية كذلك الحصن المنيع, فذلك لأن شعبها الذي خبر المحن وتجاوز كل المنعطفات الخطرة التي فاجأته, يبقى قادرا دوما على رفد حدود الوطن بأجساد شيبه وشبابه, ولأنه قادر دوما على مزج تراب أرض الوطن بالدم, دفاعا عن التاريخ وقيمه, وفي مقدمتها إن الفرد كيان في البلد الذي ينتمي إليه, يكون قويا وراسخا بمقدار ما يكون هو قويا ومؤمنا بوطنه.‏

لهذه الاعتبارات كلها, كلما أقبلت علينا ذكرى سنوية, بدءا بذكرى الاستقلال والتحرر وصولا إلى ذكرى تشرين التصحيح وما بين هذين الحدثين الكبيرين, تتنامى الآمال لدينا بأن شعبنا الذي هزم جحافل الغزو قبل الميلاد وبعده, يبقى حاضناً لمقومات صنع مستقبله بنفسه.‏

إن أي حدث يحتفل وطننا بمرور ذكراه السنوية, لا بد أن يستدعي تداعياته, ونبدو جميعا حياله كمن يستعيد قراءة كتاب مضى على قراءته زمن. ومن هنا لا تفقد الذكريات على تنوعها واتساع رقعتها الزمنية, لا تفقد تأثيرها وتستمر في ايحاءاتها ليكون يوم الوطن كما ماضيه وكما يجب أن يكون في غده.‏

على هذا النحو يقرأ أحدنا وطنه سورية, هذا الوطن الذي جعله قدره يتشكل في مواجهة الأمواج التي طالما تكسرت وستبقى تتكسر على شواطئه, وكلما اشتدت العواصف وعلت الأمواج محاولة ابتلاع ولو ذرة من ترابها ازداد صلابة في قدرته وإيمانه على المواجهة.‏

هنا يبقى على الآخرين أن يحسنوا قراءة تاريخ سورية, بل أن يعيدوا قراءة هذا التاريخ, إن كانوا قد نسوه أو تناسوه, حتى لا يخطئوا في تقدير حساباتهم.‏

إن قدر وطننا سورية أن يعتد بنفسه وبأبنائه, كما بماضيه كذلك في حاضره, عبورا إلى غده المرتجى على أرضية رفض الخضوع, مثلما الفارس الذي ينازل عدوا ولا يتنازل عن حق أو عن مبدأ.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 د . أسكتدر لوقا
د . أسكتدر لوقا

القراءات: 937
القراءات: 1289
القراءات: 1242
القراءات: 1184
القراءات: 1235
القراءات: 1356
القراءات: 1229
القراءات: 1277
القراءات: 1302
القراءات: 1696
القراءات: 1227
القراءات: 1212
القراءات: 1815
القراءات: 1214
القراءات: 1373
القراءات: 1250
القراءات: 1217
القراءات: 1428
القراءات: 1288
القراءات: 1283
القراءات: 1186
القراءات: 1318
القراءات: 5735
القراءات: 1272
القراءات: 1361

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية