وهو اصطفاف طالما كان المعضلة الدائمة التي عانى منها الأداء الأميركي حيال المنطقة وعملية السلام بالتحديد، حيث تصطف معه سلسلة من التراجعات الموازية التي تحكم هذا الموقف، ولم يكن ما أعلنته كلينتون سوى خيط البداية الذي يقود إلى المتاهة ذاتها التي أفضت في الماضي إلى تفريغ الجهد الأميركي من أي محتوى، وفي النهاية الإذعان إلى ما ترغب به إسرائيل.
معارضة أميركية للاستيطان واشتراط وقفه لاستئناف المفاوضات ثم سرعان ما يتلاشى إلى اللاشيء وفي غالب الأحيان إلى اللاجدوى، ليصل أخيرا إلى حديث عن تنازلات يجب استغلالها، وتسويق لما كانت الإدارة الأميركية ذاتها تعتبره بضاعة كاسدة لا يمكن تسويقها!.
المؤسف أن الأميركيين يريدون من العالم أن يتعامل بنصف ذاكرة وفي بعض الأحيان دون ذاكرة قريبة كانت أم بعيدة، فتصريحات الاعتراض الأميركي على استمرار الاستيطان التي ملأت الشاشات لم تخبُ بعد، والدوران في الحلقة المفرغة على مدى الأشهر الماضية على ما يبدو لم يكن أكثر من لعب على الوقت إلى حين.
وفي لحظة عجز غير مسبوقة تعود السيدة كلينتون إلى الولوج في المتاهة ذاتها التي سبق للدبلوماسية الأميركية أن غاصت فيها، بل وإلى المنطق الملتوي الذي سار عليه أسلافها، بل ثمة من يجزم أنه الأكثر فجاجة والأكثر إحباطا لكل الآمال التي تبخرت بعد سلسلة انتكاسات مني بها الجهد الأميركي.
تستطيع السيدة كلينتون أن تقول ما تشاء، وأن تصف الخطوات الإسرائيلية التي تدعيها بما تشاء، لكنها لا تستطيع أن تغير ذاكرة العالم ببضع كلمات أو تلغي جملة من الحقائق التي باتت هي المعيار والمقياس والصيغة للتعاطي مع التطورات القائمة في المنطقة.
لا أحد يراهن على متغير أميركي يعيد ترتيب الأولويات، لكن وبالمقدار ذاته لم يكن أحد يتمنى أن يخبو الحماس الأميركي إلى هذا الحد من التواضع، ولا أن يصل التراجع الأميركي إلى هذا المستوى، ولا أن يتحول كما اعتاد في عهد الإدارات السابقة إلى تابع يردد ما يقوله الإسرائيليون وما يطرحونه ولو كان مناقضا لكل ما سمعه العالم من توجهات ونيات سبق للرئيس أوباما أن أطلقها.
a-k-67@maktoob.com