| ســـــــورية الجميلــــــــة..رسائل الحب الستيني (100) ثقافة أنا الموقع على هذه الأسطر المكتوبة على الستارة التي أسدلتها الأسبوع الذي مضى. أقدم لكم رسالتي المئة.. وفيها سأذيع سراً لا يعرفه إلا صاحبه. لا أنكر أن هاجس القلم لم يفارقني منذ سكنني... لكن من الصدق أن أعترف أن رجلاً سوف يلقاني في مساء قاسيوني وبيننا منشطات لإطلاق العقل، كنت أروي له.. وكان يستزيدني ثم قال: - سابق النسيان فأنت في الستين والجأ إلى القلم. لم أكن قد بلغت الستين بعد، ولم تكن دعوتي للاستنجاد بالقلم تحتاج كثيراً من المرغبات.. لكن.. أجّلت إلى أن بدأت -كما أبدأ دائماً- السطر الأول.. ثم لا أعرف إلى أين.. والرسالة.. ثم لن أعدّ.. لكن صديقاً سألني: كم رسالة؟ قلت دون حساب: مئة. ولأنني أريد أن (أخربش) على الستارة كتبت (99) رسالة وثلاثاً بأرقام مكررة. أين السر الذي حدثتكم عنه؟! لا صديقي الذي أغراني باستخدام القلم.. ولا الذي سألني عن العدد.. ولا الستين.. ولا خوفي عن الذاكرة.. ولا حتى القلم صديقي الأول والأخير والدائم الذي لا يخيفني في الدنيا إلا أن يتوقف عن مدّ خطوطه فوق الورق... فأموت بالتأكيد.. القلم أيضاً ليس سري.. بل أنا سره.. كيف دارت الأيام.. كيف جرت الساعات.. كيف سمعت الصوت؟ أدري ولا أدري. إنما أتذكر أنني كنت على موعد مع من لا أعرفه.. في مكان لا أعرفه.. وقصدنا موقعاً لا أعرفه.. في طفولتي - وأيضاً بعدما كبرت - كانت تشغلني حيرة أتخيلها في طائر السنونو.. وعندما وضعت يدي عليه لأول مرة... صدمتني ضآلة حجمه.. وطول ريشه... وحدة مخالبه... وأعجبتني كثيراً عيونه.. ثم أطلقته فطار.. لم يسافر ولم يهاجر... عاد يرسم دوائره مؤذناً للحياة أن تمضي. في ذاك اليوم... في ذاك المقهى..اختزل طائر السنونو الصغير امرأة أقنعته بالسكون، ودفعتني إلى رسم دوائر بالطيران. شيء ما ذكرني بالسنونو الذي أمسكته يوماً.. ليس فقط عيونها الجميلة.. بل غربة يدي عن جسدها.. واندفع في شعور أن أطلقها إلى دوائرها رغم ابتلال جوانحها.. ذلك اليوم لا يحتبس السر.. لكن.. هي الأيام التي أعطته تلك المقدرة.. لولا القلم لقتلتها أو قتلت نفسي لولا الحب لتوقف قلمي.. ياصديقي.. لا تبحث في أوراقي عن السر.. هي أوراق لي وأنت ضيفي، والذي يعنيه الأمر يعرف الحكاية.. وقد كان وما زال نشيدي... أنظر إلى الستارة.. هو قلمي يخربش ليخرج من لعبة ويدخل في أخرى.. وبين إزاحة الستارة في الرسالة الأولى وإسدالها في الأخيرة.. خربشات.. كتابات... رسائل حب.. لا تقبل أي قالب.. أرجوك لا تضرب على رجلي كي ألمّها... ولا تقطع ذراعي.. وتقص رقبتي كي أدخل القالب.. أنا بصراحة لا أريد قالباً حتى لو كان ذهباً وقوانين وعلوماً وإنشاءً.. أنا سبقتك إلى ذلك كله.. رسائلي رحلت دون قوالب وستصل.. السر..؟! القلم.. والحب.. وهوى الأمكنة.. مثلث للصدق لم اخترعه.. لم أبحث عنه... بل وجدني.. يا أصدقائي.. يا من يقف أمام هذه الستارة.. منذ أن أزحتها وإلى أن أسدلتها.. كان القلم.. كان الحب.. وكانت هي.. لم أخن.. لم أخدع.. لم أكذب.. بل لم أكره.. هي رسائل للحب وليست للكراهية. وليس في رسائلي ما أكرهه.. بل فيها ما يحزنني.. الحزن يأتي مع الحب... والغضب يأتي مع البغضاء.. بين حركتي الستارة حرية زينها الحب.. وقلم استمر كي تستمر الحياة.. لن أشكر أحداً حتى قلمي.. حتى ملهمتي. هذا أنا.. رووا لي أن جدي جاء إلى الموقع الذي فيه قريتنا يستجير بشيخ جليل كان يتخذ تحت سنديانة عتيقة صيوانا له... للخلوة والعبادة والتأمل والحياة... ولم يكن في موقع القرية سواه وشوامخ السنديان والبلوط.. جدي جاء إلى الصيوان والشيخ الجليل واستظل بالسنديانة.. وجاء آخرون.. والأيام عمرت القرية.. قلت لكم... تمتد إلى أطراف الدنيا.. إلى البحر.. إلى الجبل... إلى الوديان.. إلى.. إلى.. العالم صغر ليكون قرية.. وقريتنا كبرت لتكون عالماً. هذا أنا.. هو عالمي.. وقلمي أغراني.. والصديق ذكرني.. والحب أبدع رسائله.. هذا أنا.. الموقع على الستارة المسدلة وبيدي كنت قد أزحتها لتتوالى مشاهد أغرتني كثيراً بها فوضى تواردها.. وناطورة القلب كلما هتفت لي بكى قاسيون فسالت دموعه عين عسل تتدفق ماء، عرفتها صغيراً، عشقتها طويلاً ثم عمدتها بطور كعبيكِ وما أحب.. عندما وقفنا على التلة وسال الندى.. غرقت أنا وأنكرت معرفتي بالتجذيف.. وتركت لك يدي كي تقوديني.. لكن.. امتدت يدك أبعد.. ولأول مرة في حياتي أرى تجسيداً للروح.. هي تلك التي قبضت عليها كي تقوديني في بحر الندى والحب.. في سورية الجميلة.. هل عرفتم السر؟!.
|
|