تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لمن هذا الوطن؟

معاً على الطريق
الإثنين 23-12-2013
أنيسة عبود

عندما تمر في السوق ..تذكر أن هذا السوق هو سوق المدينة التي ولدت فيها ودرست فيها ..وتذكر أن لك أصدقاء وأقرباء ..ولك فيها أعياد وشجرة ميلاد .

كنت تشتري من عبدو الفلافل، عبدو الذي يرابط عند زاوية سينما الفردوس..يعني كان يوجد سينما في المدينة..وكان لك حظّ حضور عدة حفلات مدرسية في المناسبات الوطنية مثل عيد ثورة الثامن من آذار، أو عيد الجلاء. وتستطيع أن تتذكر بهاء المدينة.. وبهاء لافتات الإعلان لأفلام مصرية وهندية، حيث البطل يحضن البطلة أمام العابرين .. وحيث الألوان الفاقعة والنجوم المتساقطة على الأرصفة ..عابرون كلكم ..الأفلام والناس والباعة والصبي الذي ينادي على غزل البنات ..البنات صارن أمهات ..وربما كثيرات استشهد أولادهن في هذه الحرب الضروس التي تفوق حرب النكبة، أوحرب تشرين. وقد تذكرنا بأيام السفربرلك ..يا لطيف ما أقرب الأيام من بعضها ..يمكنك أن تسترجع جزءاً من الطفولة التي كانت هنا في ساحة البلدية ..تأخذ المصروف ..وتهرب إلى طابور الواقفين على باب السينما. لكن البواب يمنعك من الدخول، فالأجرة التي معك لا تكفي للفرجة على الفيلم كله ..قد يسمح لك بمشاهدة نصف الفيلم (حسب الأجرة) لكن لابد أن تظل واقفاً خلف شبك الحديد تلتقط الأصوات والأنفاس مدهوشاً، مغموماً لأنك لاتقدر أن تكتشف هذا العالم السحري القابع في قاعة كبيرة تظهر لك كلما سطع الضوء أوحان موعد الاستراحة.‏

لم تكن تعلم أن أحداً من جيرانك في السينما، وأنه سيخبر عنك وعند ذلك تبدأ المعركة مع الأهل الذين أرسلوك إلى المدرسة وليس إلى السينما. ويبدأ درس التنظير، الفقراء ليس لهم سوى العلم، الفقراء لا أحد يسمع بموتهم .. الفقراء وقود لحرامية البلد .. العلم كرامةً. وهكذا يجلدونك بهذه الأقوال المأثورة التي كنت تضرب بها عرض الحائط .. لاأحد كان يتكلم عن العدالة الاجتماعية، ولا عن الأديان السماوية، ولم يذكر أحد أمامك أن اللصوص حبلهم قصير كما الكذب، لم يخبروك أن هذا العالم بلا أخلاق وبلا ضوابط إنسانية.. هذا الكلام سيبعث الحزن الأبدي في روحك، ويشعرك بالبرد فتزم جسدك النحيل من برد كانون ومن مطره الغزير الذي يتبعه تنين البحر.. هذا التنين الذي اقتلع شجرة الكينا الضخمة التي كان يستظل بها عمك محمد .. واقتلع شجرة التوت التي كان عمك رمضان يلعب المنقلة على مصطبتها وكانت زوجة عمك (حبّابة) تقشر القمح في الجرن الملاصق لجذعها لتطبخ قمحية الحنطة باللبن.‏

هكذا هو كانون شهر البرد والقرامي والمطر .. كان عليك أن تتحدى هذا البرد بالقلم والدفتر والجسد البردان وتتحدى التنين الجارف لتثبيت جذورك في الأرض التي انزرع فيه الأجداد والآباء.. كنت تخاف من روايات أمك حين تتحدث عن الفقر وتعيد على مسمعك حكايات الجوع والظلم أيام العثمانيين والفرنسيين .. وتذكرك بالسعادة التي أنت فيها الآن، حيث ضوء الكاز يصدح في البيت لتقرأ معلقة امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى .. ويمكنك أن ترسم طرقات القرية وبيادرها .. لكنك كنت تفضل أن ترسم كروم الزيتون وتحب أن تلون ورقها بالأخضر المغبّر .. وعندما كبرت أكثر صرت ترسم وجه فتاة تصادفها على طريق المدرسة، وبالرغم من أنك لم تتكلم معها أبدا إلا أن هذا الوجه مازال عالقاً في الذاكرة .. ومازالت شوارع المدينة تركض وأنت تريد اللحاق بها .. كأنك مازلت تلهث في كتبك ودفاترك لأن الفقراء ليس لهم سوى الدفاتر.. العلم سلاح الفقراء.. هي نظرية يتمسك بها آباؤنا فماذا نفعتنا؟. السوق فارغ ومعظم المحال خاوية .. الوجوه شبه غريبة.. تدفعك الرغبة أن تسلم على البقال غير أنك تخاف من نظرته ومن وجه عبدو الكالح. ما الذي يحدث ؟. ترنو إلى السينما .. لاسينما ولا لافتات أين هربت نجومها ؟ يلوح وجهك في المرايا فتجد أنك الغريب الغريب جداً لدرجةٍ تشعرك بالذوبان ..‏

هل أنت بلاجذور ؟؟ هل أنت بلا وطن يا اسماعيل ؟؟‏

يجول ببصره في الساحة وعلى النوافذ لايجد شجرة عيد ميلاد ولايجد وجوهاً يعرفها يتساءل ويكرر السؤال من أنا ؟.. أين ذهب الذين أعرفهم .. لمن هذا الوطن إذاً؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 692
القراءات: 823
القراءات: 740
القراءات: 700
القراءات: 738
القراءات: 661
القراءات: 685
القراءات: 885
القراءات: 932
القراءات: 766
القراءات: 740
القراءات: 778
القراءات: 765
القراءات: 861
القراءات: 760
القراءات: 754
القراءات: 744
القراءات: 827
القراءات: 738
القراءات: 887
القراءات: 746
القراءات: 796
القراءات: 882
القراءات: 963
القراءات: 766

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية