وبعد انكشاف حقيقة وطبيعة تلك الحرب التي لا تعدو كونها استعراضات إعلامية وسياسية قد تترافق ببعض عمليات نوعية تستهدف شخصيات ذات تأثير اقتصادي أو استخباراتي في تنظيم داعش تحديداً، وبعد اعتراف جميع المراقبين والخبراء العسكريين أن اقتصار الحرب الأميركية ضد الإرهاب على الضربات الجوية لن يكون ذا تأثير واضح، فإن جديداً يفرض وجوده في مسار الحرب على الإرهاب وفق قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة وخاصة القرارين 2170 و2178 اللذين يجرمان تنظيمي داعش والنصرة، كما يحرمان على الدول تمويل أو تسليح أو تسهيل انتقال الإرهابيين إلى كل من سورية والعراق، أما هذا الجديد فهو التوجه الروسي للمشاركة في مواجهة الإرهاب بصورة فعلية، بعد دعوة الرئيس فلاديمير بوتين لتشكيل تحالف دولي حقيقي وضمنه تحالف إقليمي لا يستثني أي دولة، الأمر الذي أجبر الإدارة الأميركية لفتح قنوات اتصال وتواصل سريعين مع موسكو على المستويين السياسي والعسكري للوقوف على حجم ومدى تلك المشاركة، فالإدارة الأميركية تدرك أن موسكو جادة في مواقفها حين تعلنها، وهي تعني بدقة عزمها على مواجهة الإرهاب.
كانت المواقف متصاعدة مع الإعلان الروسي عن تزويد سورية بما تحتاج لمواجهة الإرهاب، من أسلحة دفاعية -كلها ضمن اتفاقيات ثنائية وفق القانون الدولي- وبالتالي الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب في إطار السلسلة المعقدة من العدوان التآمري على سورية، باعتبار الإرهاب والإرهابيين أداة فاعلة في ذلك العدوان، أدى دوره حيناً وفشل في أحيان كثيرة..
التطورات الدولية تتداخل في منظومة الاتفاقيات والمؤتمرات والاجتماعات الدورية فضلاً عن النتائج الأولية والمرتقبة للاتفاق النووي التاريخي ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جانب وبين الغرب الاستعماري كله من جانب آخر، فبالقدر الذي تفرض فيه مرحلة انتهاء القطبية الدولية تعاوناً مفترضاً وسياسة توافقية، فإن البقايا والمخلفات السابقة ما زالت تعشش في أذهان مفكري الإمبريالية، فضلاً عن الأحقاد والتفكير الغبي الذي يضرب أذهان حكام الخليج وغيرهم ممن ما زال يعيش أوهام السلطنة المريضة والمجد الزائف، الأمر الذي يعوق -مرحلياً- ذلك التعاون المأمول.
وهكذا يمثل الدخول الروسي المباشر على خط المواجهة ضد داعش والنصرة مرحلة جديدة في الحرب الحقيقية على الإرهاب، تلك الحرب التي تخوضها سورية وحدها -وجيشها ينفذ مهمة مقدسة بالنيابة عن الإنسانية كلها- هذه المرحلة تضع حدوداً عملية لادعاء الحرب ضد الإرهاب، وتكشف زيف التعامل المزدوج ما بين الادعاءات النظرية والتصريحات الإعلامية من جهة وبين العدوان على سورية من جهة ثانية، ومحاولات تشويه الصورة الميدانية وواقع التوازنات على الأرض من جهة ثالثة.
ومختصر القول إن ثمة أنفاساً محبوسة في هذه الأيام تنتظر مدى فاعلية الأسلحة الدفاعية التي تدخل ضمن سياسة دعم روسيا لسورية في حربها على الإرهاب، ومدى حجم المتغيرات التي ستحدثها تلك الأسلحة، وذلك بالتوازي مع تنسيق وتشاور وتبادل معلومات مفترض ما بين موسكو وواشنطن في الأيام القادمة، ما قد يؤسس للدخول في مرحلة سياسية جديدة، ندرك نحن في سورية أن صمود وقوة وفاعلية جيشنا وحده من يحدد معالمها الأساسية.