| الحب غيابياً رؤية فأعلن الحداد معتقداً أن الشاعر ينعي أم عمرو، وكان قد عشقها عندما سمعه يقول: يا أم عمرو جزاك الله مكرمة ردي علي فؤادي أينما كانا وقال: لو لم تكن أم عمرو جميلة لما شتت قلب الشاعر. تعود هذه الحكاية ذات الأصل الواقعي إلى ألف ومئتي عام، وهاهي تتكرر اليوم في عصر العلم والعقل بواسطة التكنولوجيا التي وصل إليها إنسان الألفية الثالثة. اعتبر هذه الحكاية مثالاً على ضعف العقل وضآلة الذهن، ونعد هذا الشخص متخلفا، لأننا نعرف أن الحب لا يحدث إلا نتيجة التفاعل بين قلبين عند اللقاء، ومراحل الحب كما وصفها احمد شوقي نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام فموعد، فلقاء. لكن ما بال الشباب اليوم يحبون (على السمع) على طريقة معلم الصبيان الذي كان سبباً في قيام الجاحظ بكتابة فصل عن الحمقى من معلمي الصبيان. وهم يحبون لمجرد تبادل الكلام المعسول كتابة عبر مواقع (الدردشة) أو كلام الغرف الصوتية (الشات)، ودون أن يرى أحدهم الآخر أو يعرف عمره وصورته أو يتأكد أن الطرف المقابل ذكر أو أنثى. لقد سمعنا حكايات مسلية عن الحب من النظرة الأولى وتابعنا روايات وأفلاماً أعطت للحب بعداً مثالياً، ولكنها كانت قابلة للتصديق، ولكن ماذا نقول عن حكايات معاصرة هي أقرب إلى الخيال من الواقع، ولعمري لو كان الجاحظ بيننا لتفتقت عبقريته عن مجلدات طوال حول عشاق الدردشة والرسائل عبر النت والشات. وإذا كنا نعتبر أبطال حكايات الجاحظ وابن الجوزي حمقى ومغفلين، فبماذا نصف شباب القرن الحادي والعشرين ؟! لا يسعنا إلا أن نردد قول من قال وللناس فيما يعشقون مذاهب.
|
|