والحال ينسحب على الكثير من المقاربات الأوروبية التي تحاكي في أغلب الأحيان انطباعات تترجم تمنيات شخصية, أكثر مما تعكس سياسة فعلية لها مقوماتها ويمكن الاتكاء عليها للاجتهاد في قراءة السياسة الأوروبية بقيادة الفرنسيين والبريطانيين.
والمفارقة القائمة أن البعض يأخذها على محمل الجد للبناء عليها والتحليل وفق مقتضاها، وهو ما يعكس افتراضياً أن الكثير مما تمّ الأخذ به في الماضي كان على مقاس التفاؤل والتشاؤم الفرنسي، وتحديداً مواربات فابيوس الذي يقيس الأمور من منظور مساحة الإفلاس في التمنيات والخيبة في التوقعات.
وبالتالي علينا أن نرى الأمور من ممر ذلك الفشل الفرنسي في تحقيق ما كان يطمح إليه من المؤتمر الدولي، الذي تتعاطى معه فرنسا من باب المزاحمة على حجز مقعد، ولو في الصفوف الخلفية، بعدما شعرت بأن الكثير من مجريات الإعداد والتحضير قد تمت دون أن يكون لباريس يد ولا ذراع ولا حتى رأي، وهو ما أثار حفيظة الفرنسيين، وشكل بوابة للإقرار بأن ما عملوا عليه في سنوات الخدمة المجانية للأميركي يكاد يساوي الصفر في محصلته النهائية بعد أن قرر الأميركي الاستدارة إفرادياً.
لا نعتقد أنه يخفى على أحد المناكفة المتأخرة، ومساحة الغضب التي تتملك القرار الفرنسي على المستوى الرئاسي، كما على المستوى الدبلوماسي، وكان من الطبيعي أن تأخذ ردة الفعل الفرنسية منحى يتصادم في بعض جزئياته مع الموقف الأميركي والروسي، ومع المناخ الدولي الذي أرسته ملامح التوافق بين الموقفين، باعتبار أن ذلك المناخ يعني عملياً قطع الطريق نهائياً على الاتجاه الذي تجسده السياسة الفرنسية بديلاً أو واجهة للسياسة الأميركية في كثير من القضايا الملتهبة في المنطقة، وفي بعض الأحيان وكيلاً للأميركي في تنفيذ المهمات القذرة التي اعتادت عليها سياسة هولاند وفابيوس.
وهذا التذمر الفرنسي الذي عكسه فابيوس بلغة التشاؤم من المؤتمر الدولي والتي أرادها حمّالة أوجه، يحاول أن يودع من خلالها رسائله في كل الاتجاهات، بدءاً من «الحليف» السعودي وليس انتهاء «بالصديق» الإسرائيلي.. مروراً بالقطري والتركي، ويريد أن يناكف من خلالها الروسي، وأن يبدي عبرها امتعاضه من الأميركي، الذي أدار ظهره له دون أن يعيره حتى التفاتة، غير أن هذه الرسائل جميعها تبدو ثانوية مقابل الرسالة الأهم التي يحاول أن يداري وجهتها الحقيقية وهي أن المسار السياسي إذا ما انطلق فهذا يعني نهاية المشروع الذي كان الفرنسي أهم حوامله بأدواته ومرتزقته وكل الداعمين له.
فبعد أن حدد المؤتمر الدولي مكافحة الإرهاب عنواناً له، كان لا بد للفرنسي من أن يبدي تشاؤمه بما يترجمه ذلك من تغير وتعديل في المسارات، بما فيها السياسي، وانطلاق العربة المعطلة منذ أشهر، وما يقدمه من احتمالات فتح الباب على مصراعيه أمام فرد الأوراق على الطاولة، وإماطة اللثام عمن يقف خلف الإرهاب، بما في ذلك الدور الفرنسي وحلفاؤه وأصدقاؤه، فكان من الطبيعي أن يبدي ذلك التشاؤم، وأن يبني عليه مقاربات الموقف المتوقع، وأن يصل الأمر إلى مقاطعة رئيسه للأولمبياد في سوتشي، في موقف يعكس مراهقة دبلوماسية وصبيانية سياسية غير مسبوقة.
ربما كان مؤشراً إيجابياً أن يتشاءم فابيوس، وذلك دليل على أن الأمور تسير في الطريق الصحيح، وتزداد تلك المؤشرات وضوحاً باعتبارها تترجم إحباط حلفائه وأصدقائه، وإفلاس مرتزقته ومعهم الإرهابيون الذين يحتضنهم.. سواء كانوا رعاة الإرهاب الذين يقيمون على الأرض الفرنسية أم أولئك المنتشرين في بقاع العالم، وإذا كان فابيوس متشائماً اليوم فإننا نطمئنه أن يحضّر نفسه للإحباط القادم غداً ولما هو أكثر منه بعد غدٍ.
a.ka667@yahoo.com