وبالطبع لم تكن اللحظات التالية أقل عبقاً أو اشباعاً, بل تشابهت التفاصيل واللحظات وسط جو من التماهي بين العرض والجمهور وكانت فيه السيدة فيروز تضفي بنشاطها وحيويتها بعداً أكثر اقناعاً بأن مشقة الحصول على بطاقة للعرض لم تذهب سدى, وأن الوقت الطويل الذي احتاجه قابلته مساحات من المتعة الفعلية بالعرض.
وجاء التنظيم الدقيق للدخول, والتوزيع المنظم للحضور ليعطي للعرض أناقة, كنا بأمس الحاجة إليها, ولتكون احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية توطئة فعلية للعروض تتكامل فيها كل الجوانب الفنية والتنظيمية مع السوية العالية في الأداء.
وحين يعود صوت فيروز الى دمشق يصبح للياسمين رائحة تتجدد كل مساء على مساحة حضورها فيما الصوت الملائكي يتاخم شغاف القلب, وهو يزدان بحضوره في ساحة الأمويين بأضوائها المتلألئة.
هكذا كانت فيروز في اطلالتها الأولى, وكانت الخاتمة تصفيقاً للقاء وللعرض وللحضور وتحية متبادلة ومباشرة لم تنته الا حين غادرت المنصة مودعة على أمل أن يكون كل عرض وكل لقاء فيه ذلك العبق, الذي شعرت به, وهي تواجه جمهوراً ابتعدت عنه كل هذه السنين وتاقت للقائه كما كان لها طوال هذه السنين.
(صح النوم) في إعادة عرضه هناك الكثير مما يصح القول فيه, وحين تكون الاعادة في دمشق التواقة لصوت أصيل, يقارب حضوراً دائم التألق والفاعلية في الوجدان والروح.
دمشق التي تحتفي بالثقافة العربية, وهي العاصمة التي احتضنتها قبل أن تتوج, وستبقى كذلك, احتفت بفيروز على طريقتها, تفاعل جمهورها مع ما قدمته على طريقته, وكان هذا الاحتفاء يليق بدمشق وباحتفاليتها وهي التي اعتادت ان تكون السباقة في احتضان الاصالة لتتوجها في احتفاليتها.