| ســـــــورية الجميلــــــــة...رسائل الحب الستيني (70) ثقافة كانت الاستراحة مجموعة غرف كبيرة متلاصقة فيها ما يلزم لممارسة الحياة.. حراس ومشرفون تجاوزوا - ربما- مرحلة الرعاة بقليل وحياة بدأت تدب وبدأ على الفور إعداد العشاء.. ارتفعت روائح الشواء والطعام وانتشر دفء وجود نحو خمسة عشر رجلاً وامرأة واحدة في ذاك المكان.. أحسست عملية خلق فعلية بعد أن غيب الليل الحياة التي ترسمها نباتات البادية والزراعات المخالفة فيها وقطعان المواشي.. زال التحسب الذي سكن ذهني بعد أن دب الليل وحلّ مكانه شعور مفعم بمتعة خلق الحياة في هذه الغرف المتلاصقة النائية.. لكن.. استمر سؤال لا أبوح به: أين سأنام؟ بعد العشاء عرَّفونا بأمكنة النوم.. وقسّموا لي سريراً جيداً وعريضاً.. جاء الناطور وبدّل الشراشف بأخرى تشبهها حتى بمستوى النظافة، أخرجها من خزانته.. بالمختصر ليلة ممتعة.. سألت الراعي: هل تسكن هنا حيوانات ضارية مفترسة؟ قال: < «ديبة» وقد أكلت لي أربع نعاج.. وروى لي.. أنه غالباً لا يرى سياحاً.. قلما يصلون إلى هنا.. لكن.. نقيم أحياناً «كامب» للمسؤولين الذين يأتون إلى هنا للصيد.. قلت: - ماذا يصطادون؟ < الحقيقة الصيد هنا صعب.. يلزمه صبر.. - ما الطرائد؟ < غزلان.. أرانب.. طيور.. حباري. - هل يأكلون ما يصطادونه أم يأخذونه معهم؟ < لا.. نحن نذبح لهم الخراف.. وغالباً لا يصطادون شيئاً.. وروى لي عن «كامب» أقاموه مؤخراً لجنرال متقاعد وبرفقته عدد كبير من المسؤولين.. وقال إنهم ذبحوا لهم نحو أربعين خروفاً. قلت: في يوم واحد؟! < قال: لا.. لقد أقاموا هنا أربعة.. خمسة أيام.. - والصيد؟! < لم يكن من طرائد.. باستثناء ذات صباح صرخ راع: إنه أرنب.. فهاجموه. - بماذا..؟! < بكل الأسلحة.. «جفت».. رشاش.. بارودة كل شيء. - فتحوا جبهة!! < نعم جبهة. - وهل اصطادوا الأرانب.. < يومها لم نجد شيئاً.. - وفيما بعد.. < وجد «فليِّح» أرنباً يعرج وألقى القبض عليه.. - لعله أصيب نفسياً.. حالة هلع.. < في الحقيقة كانت هناك إصابة بسيطة في رجله الخلفية اليمنى. - وماذا بعد؟! < بعد أيام رحلوا.. كان النهار قد أعلن ضياءه على الدنيا.. مسطحات بلون الرمال تلونها فسحات خضراء وشجيرات رعوية ومواقع يخرج منها بخار يؤكد وجود المياه الكبريتية. الحياة تدب في كل مكان.. موسم ولادة.. خراف بيضاء صغيرة تواجه الحياة.. ورفوف من الزرازير.. يروى عن أيام زمان كان الزرزور يحجب قرص الشمس.. شدتني الخراف الصغيرة في موسم الولادات كنت أبحث عنك.. من يومها وعدتك بالخروف الصغير.. لكن قلبي كان مشدوداً لصغير خلفته في المنزل.. وكل المشهد يشدني إليه.. إليك.. إلى قلبي الذي طال عليه الزمن قبل أن يصل سمعك!! هل وصل؟! استغرب محدثي الأجنبي عندما أخبرته أنني سأعود إلى حماة فدمشق.. قال: < اسمع هي فرصة للحرية.. لا تترك قلمك يستعبدك.. - قلت: الحب هو الذي يأسرني.. < قال: بين الحب والحرية.. ماذا تختار..؟! هل اخترتها؟ أحياناً أشعر أنني اعتقلت حريتها..! هل اختارتني؟! سألوا العسلي: وهيبة أم البراري؟ قال: كلاهما.. أبو ميهوب أجاب على سؤال مشابه لولا البراري لما كانت أم ميهوب ولا ميهوب.. ولولاهما لما كانت الحياة.. - فمن تختار..؟! < تختار.. نحن لا نختار.. الله وحده يختار ما يشاء.. - فمن تحب؟ < البطحة.. أحسست وأنا في حلم اليقظة المتجسد واقعاً على الأرض.. أنني أكثر فقراً من العسلي ومن أبي ميهوب.. فأنا إما لا أحسن الاختيار وإما لا أعرف من أختار.. يومها اخترت الحب.. فاعتقلني.. متمسكاً بذيل الحرية وخفت على وحدتي.. حتى تعرضت للغزو.. كان الخرق عميقاً.. السهم سكن القلب أو العظم.. لا أدري.. فعشقت البراري مرة أخرى.. يقولون: الإنسان مفطور على الخيانة.. بكِ ومعكِ كنتُ أخونكِ.. الطائر الجميل شبيه الهدهد، كنا نسميه «لهاية الراعي».. كان يلاعبنا.. نقترب منه فلا يطير تأمل بمسكه فيستحيل.. وهكذا يأسر حريته كي يأسر حريتك.. لكنه يعرض حياته للخطر.. كأنه عاشق.. عندما أوصلتني العربة إلى تخوم مدينة حماة.. نظرت خلفي.. أودع ذاك المشهد اللامتناهي وذاك اليوم وتلك الليلة قاصداً دمشق.. هل أحسست بالندم..؟! أبداً.. لكنني ما زلت أبحث عن الحرية.. وإلى الأبد أحب. a-abboud@scs-net.org
|
|