وقتها.. كنت.. ما ان أصل إلى أطراف اللون الأزرق ذاك الذي يستقبلك وأنت.. تعبر إليها،
حتى تشعر بقلق روحك يبتعد.. زبد الموج سواء أكان هادئا أم هائجا.. تركن إليه.. وتغرق معه في عالم آخر.. بعيدا عن هوجائية الزمن الأرعن..
اليوم.. تحتاط طويلا.. قبل أن تفكر بالسفر.. حتى تكاد تلتصق بدمشق،فقد اعتدت عذاباتها.. !
تود.. لو أن متاعب الحياة تحاصرك كفاية،حتى لاتترك لك فرصة المغادرة إليها.. نحو زيارة لابد منها.. !
رعب غريب يسيطر.. ما إن تبدأ عجلات السيارة بالاقتراب من مدن الساحل المنكوبة.. خوف غامض،يخنق روحك.. وتتهيأ لوجع قاتم..
ما إن تدخلها حتى تشعر بغصة لاتنتهي.. سوادها لايفلتك،يكاد يفتك بك..
في كل لحظة يقول لك بحرها.. أنا الآخر عاجز عن فعل شيء.. زياراتك له وهو شبه فارغ.. تذكرك أكثر فأكثر.. بان كل شيء مختلف.. !
قبل سنوات خمس،كان بإمكانك أن تقطع وسط المدينة بما لايتجاوز الربع ساعة،اليوم تحتاج هذا الوقت لعبور شارع صغير،الازدحام شديد.. والسواد يلف المدينة،وكأنها آلت على نفسها ارتداءه من رأسها حتى أخمص قديمها..!
في مدن الساحل،للحرب لون آخر،للوجع عمق آخر.. وللصبر مفعول لاتفهمه.. غالبا..!
لاشيء.. يمكنه أن يصف طعم الحرب،أنت عاجز كليا.. أمام تلك الشهقات التي لاتنتهي لأمهات.. تسربلن بالأسود.. حزنا على شهداء مضوا..
حزنا على أرواح صعدت إلى ربها.. لكنها تركتنا أسرى، نوع من الحزن الأبدي،يتغلغل في عمق أرواحنا.. لاشيء يوقف نزيفه..
عاصفة الرحيل مستمرة.. والخسارات الأبدية.. لأرواح بشرية.. ألم لايعادله أي ألم..!
نعزي، نترحم.. نتصبر معهم.. !
نغادر.. وما إن تبتعد السيارة عن زرقة بحرها.. حتى ندرك أنها مدن آلت على نفسها ألا ترتوي من أمسيات القهر منذ الازل.. !
soadzz@yahoo.com