تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيتنا الزجاجي !!

معاً على الطريق
الثلاثاء3 -5-2016
خالد الأشهب

على علاته السياسية .. وربما الأخلاقية أيضاً في ما يتصل بمواقفه وتصوراته من المنطقة العربية وتنبؤاته تجاهها, إلا أنني لم أجد سوى طريقة تفكير الأميركي برنارد لويس أداة ..

هي الأكثر منطقاً وقدرة على الإقناع في تفسير الكثير من الوقائع الراهنة اليوم في الشرق الأوسط عامة من جهة , وفي ما يتصل بالعلاقات العربية العربية خاصة من جهة ثانية, وهو الذي يوصف كالكثيرين غيره وبأقلام عربية كثيرة بأنه الأب الروحي للمحافظين الأميركيين !‏

يرى لويس أن عجز شعوب الشرق الأوسط العربية والإسلامية عن إنجاز مشروعها الحضاري الخاص بها الذي يحمل هويتها ويدلل على خصوصيتها الثقافية , وعجزها في المقابل عن الأخذ بالمشروع الحضاري الغربي كاملاً ومن دون اقتباس أو تعديل يشوهه , دفعا بهذه الشعوب إلى دائرة الحيرة والانكماش , وولدا عندها الرغبة لمحاولة تحطيم المعيار وإزالة المسطرة ... أي المشروع الحضاري الغربي , الذي يكشف عن عجزها ومراوحتها العبثية في المكان , والذي بات عبئاً عليها بدل أن يكون حلاً لها , وبهذا يرى لويس أن الصراع بين الغرب والإسلام قادم لا محالة !!‏

أظن , ودون أن ألتمس العذر سواء لبرنارد لويس في رؤيته أو للنخب الثقافية العربية والإسلامية في ردودها الحانقة والمنفعلة على لويس , أن ثمة برنارد لويس عربي مسلم آخر يقدم لنا ما يمكن أن يكون تفسيراً مطابقاً لهذه الحالة بالذات , وهي حالة لا تقوم بين الغرب والإسلام كما يسوقها لويس .. بل بين عرب وعرب آخرين , إنه أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد « الواقدي « وهو من أقدم المؤرخين في الإسلام ومن أشهرهم ، إذ يتحدث في « فتوحات الشام « عن عجز شبيه ومضاعف للعجز الذي يسوقه برنارد لويس , حمل الغزاة القادمين من الجزيرة العربية على الوقوف طويلاً عند عتبات الشام , وساقهم إلى احتمال ظروف الجوع والحصار الطويل وشح الإمداد طلباً لفتح دمشق .. التي أذهلتهم وخلبت ألبابهم بثرائها وخيرها وترفها إلى حد أنهم فضلوا الموت عند عتباتها على العودة إلى هجير الصحراء وجفافها ؟‏

إن أي قارىء لما خطه الواقدي في « فتوحات الشام « سيجد برنارد لويس آخر أمامه مع شي من التبرج والتلوين لمشهد لا يختلف في أساسياته بين الواقدي ولويس عند عتبات الشام ذاتها , وهو ما يمكن أن يفسر اليوم ذلك الحقد الأعمى المعجون بالعجز الحضاري المضاعف ذاته , والذي لا يتردد سكان الجزيرة العربية عامة وآل سعود خاصة عن إظهاره تجاه سورية الشام . ولعلها دعوة إلى كل متذوق للتاريخ أن يشهد بالحرف أن العجز الحضاري المضاعف الذي يتحدث عنه لويس القرن العشرين هو ذاته العجز الحضاري المضاعف الذي يتحدث عنه الواقدي في القرن السابع للميلاد , ذات العجز وذات العاجزين وذات الرغبة بالانتقام .. ليس من غرب بل من عرب آخرين؟‏

إن أضعف الإيمان أن نتوقف عن رمي بيوت الآخرين بالحجارة إذا كان بيتنا التاريخي زجاجي رقيق وغير شفاف إلى هذا الحد , خاصة أننا لا نزال نشهد وبالفم الملآن للواقدي قدرته على توثيق التاريخ وتدوينه كما حدث بالفع!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خالد الأشهب
خالد الأشهب

القراءات: 2185
القراءات: 2089
القراءات: 2511
القراءات: 2460
القراءات: 2241
القراءات: 2606
القراءات: 2555
القراءات: 2490
القراءات: 2260
القراءات: 2582
القراءات: 2795
القراءات: 2691
القراءات: 2384
القراءات: 2844
القراءات: 2909
القراءات: 2996
القراءات: 2781
القراءات: 3156
القراءات: 3109
القراءات: 3210
القراءات: 2610
القراءات: 3079
القراءات: 3565
القراءات: 3330
القراءات: 3386

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية