هي الأكثر منطقاً وقدرة على الإقناع في تفسير الكثير من الوقائع الراهنة اليوم في الشرق الأوسط عامة من جهة , وفي ما يتصل بالعلاقات العربية العربية خاصة من جهة ثانية, وهو الذي يوصف كالكثيرين غيره وبأقلام عربية كثيرة بأنه الأب الروحي للمحافظين الأميركيين !
يرى لويس أن عجز شعوب الشرق الأوسط العربية والإسلامية عن إنجاز مشروعها الحضاري الخاص بها الذي يحمل هويتها ويدلل على خصوصيتها الثقافية , وعجزها في المقابل عن الأخذ بالمشروع الحضاري الغربي كاملاً ومن دون اقتباس أو تعديل يشوهه , دفعا بهذه الشعوب إلى دائرة الحيرة والانكماش , وولدا عندها الرغبة لمحاولة تحطيم المعيار وإزالة المسطرة ... أي المشروع الحضاري الغربي , الذي يكشف عن عجزها ومراوحتها العبثية في المكان , والذي بات عبئاً عليها بدل أن يكون حلاً لها , وبهذا يرى لويس أن الصراع بين الغرب والإسلام قادم لا محالة !!
أظن , ودون أن ألتمس العذر سواء لبرنارد لويس في رؤيته أو للنخب الثقافية العربية والإسلامية في ردودها الحانقة والمنفعلة على لويس , أن ثمة برنارد لويس عربي مسلم آخر يقدم لنا ما يمكن أن يكون تفسيراً مطابقاً لهذه الحالة بالذات , وهي حالة لا تقوم بين الغرب والإسلام كما يسوقها لويس .. بل بين عرب وعرب آخرين , إنه أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد « الواقدي « وهو من أقدم المؤرخين في الإسلام ومن أشهرهم ، إذ يتحدث في « فتوحات الشام « عن عجز شبيه ومضاعف للعجز الذي يسوقه برنارد لويس , حمل الغزاة القادمين من الجزيرة العربية على الوقوف طويلاً عند عتبات الشام , وساقهم إلى احتمال ظروف الجوع والحصار الطويل وشح الإمداد طلباً لفتح دمشق .. التي أذهلتهم وخلبت ألبابهم بثرائها وخيرها وترفها إلى حد أنهم فضلوا الموت عند عتباتها على العودة إلى هجير الصحراء وجفافها ؟
إن أي قارىء لما خطه الواقدي في « فتوحات الشام « سيجد برنارد لويس آخر أمامه مع شي من التبرج والتلوين لمشهد لا يختلف في أساسياته بين الواقدي ولويس عند عتبات الشام ذاتها , وهو ما يمكن أن يفسر اليوم ذلك الحقد الأعمى المعجون بالعجز الحضاري المضاعف ذاته , والذي لا يتردد سكان الجزيرة العربية عامة وآل سعود خاصة عن إظهاره تجاه سورية الشام . ولعلها دعوة إلى كل متذوق للتاريخ أن يشهد بالحرف أن العجز الحضاري المضاعف الذي يتحدث عنه لويس القرن العشرين هو ذاته العجز الحضاري المضاعف الذي يتحدث عنه الواقدي في القرن السابع للميلاد , ذات العجز وذات العاجزين وذات الرغبة بالانتقام .. ليس من غرب بل من عرب آخرين؟
إن أضعف الإيمان أن نتوقف عن رمي بيوت الآخرين بالحجارة إذا كان بيتنا التاريخي زجاجي رقيق وغير شفاف إلى هذا الحد , خاصة أننا لا نزال نشهد وبالفم الملآن للواقدي قدرته على توثيق التاريخ وتدوينه كما حدث بالفع!